يوم حصاد البسلة..الكاتبة/هدى شوكت

 


يوم حصاد البسلة


في إحدى قرى محافظة الغربية، حيث ينسج الريف المصري حكاياته من خضرة الحقول وعطاء الأرض، كان حقل العمدة نُعمان يُعتبر القلب النابض للقرية. لم يكن الحقل يزدهر فقط بالزراعة، بل كان ينبض بالحياة، خاصة في موسم حصاد البسلة، تلك الحبوب الخضراء التي تحمل في داخلها طعم الطبيعة النقي.


مع بزوغ الفجر، بدأت الشمس تُلقي خيوطها الذهبية على الحقول الممتدة، معلنة بداية يوم جديد من العمل. كانت القرية تستعد لموسم الحصاد، وكل بيت يُرسل أبناءه ليشاركوا في جمع المحصول.


فاطمة وأختها مروة، كالعادة، كانتا من أولى العاملات اللاتي وصلن إلى الحقل. ارتدت كل منهما جلبابًا بسيطًا، وربطت شعرها بغطاء رأس أبيض. كانت السلال الكبيرة تُوزع على العاملين، وكان العمدة نُعمان، بشخصيته الوقورة، يُشرف على كل شيء بنفسه.


"تذكروا يا أبنائي، البسلة نعمة من الله، وحصادها يحتاج إلى صبر ودقة. عاملوا الأرض بحب، فهي تعطيكم الخير دائمًا." قالها العمدة بصوته الهادئ، بينما كان يسير بين الصفوف.


في الحقل، كانت الأصوات تتداخل بين الضحكات، والنداءات، وأغاني التراث التي تُغنيها النسوة أثناء العمل. وقفت فاطمة على ركبتها، تمد يدها بلطف لتقطف قرون البسلة الممتلئة، ثم تنظر إلى أختها مروة التي كانت تسير خلفها، تجمع السلال الممتلئة وتُحضر أخرى فارغة.


"اليوم يبدو طويلاً، لكنني أشعر بالسعادة كلما تذكرت أننا نُساهم في جعل هذا الحقل يزدهر." قالت فاطمة مبتسمة.


ردت مروة وهي تنظر إلى العمدة الذي يُشرف على الحصاد:


"صحيح، لا شيء أجمل من رؤية الأرض تُكافئنا على تعبنا."


مع اقتراب الظهيرة، اجتمع العاملون تحت شجرة كبيرة في منتصف الحقل. وزع العمدة عليهم أكوابًا من الشاي والخبز الطازج كعادته في كل موسم حصاد، وألقى كلمة قصيرة:


"هذا المحصول ليس فقط رزقنا، بل هو فخرنا. كل قرن بسلة يجمع في داخله تعبكم، وإخلاصكم، وحبكم للأرض. نحن لا نحصد البسلة فقط، بل نحصد الخير الذي نزرعه في قلوبنا."


مع حلول المساء، وعندما مالت الشمس لتغيب خلف الحقول، كانت السلال قد امتلأت، وحبال السعادة تربط بين أهل القرية. قرر العمدة إقامة احتفال صغير في الساحة المركزية، حيث اجتمع الكبار والصغار للاحتفال بنجاح موسم الحصاد.


توسطت فاطمة ومروة الساحة، وأمامهما أكوام البسلة التي أصبحت جاهزة للشحن إلى الأسواق. نظرت فاطمة إلى السلال وقالت بفخر:


"كل يوم في الحقل يُعلّمنا أن الأرض تعطي بقدر ما نُخلص لها."


أجابها العمدة نُعمان، بابتسامة واسعة:


"وهذا سر نجاح قريتنا يا فاطمة. حب الأرض هو ما يجعلها تعطي بلا حدود."


وهكذا، غادرت الشمس يوم الحصاد، لكنها تركت في قلوب الجميع شعورًا بالإنجاز والفخر، وذكريات لا تُنسى عن يومٍ كان عنوانه: العمل، التعاون، وحب الأرض.


بقلم الأدبية المصرية

هدي شوكت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيف ودرع...بقلم الشاعر أكرم كبشة

كادوا للأمة الإسلامية...بقلم الشاعرة تغريد طالب الأشبال

وداعا يا حبيبي....بقلم الشاعر محمد السيد يقطين

احيانا،ودي ما تغيب الذكريات....بقلم الشاعر رضوان منصور

حوار شعري بين حبيبين.. بقلم الشاعر/م.صبري مسعود.

في هذه الحديقة....بقلم الشاعر نورالدين جقار

نثريات.. بقلم الكاتب/محمد حسن البلخي

تحت وطأة الدجى....بقلم الشاعر توفيق عبد الله حسانين

تهمة في مسالك التحقيق...بقلم الشاعرة مريم بوجعدة

يمضي الليل...بقلم الشاعر أبو روان حبش