تارغالت....بقلم الكاتب علي غالب الترهوني

تارغلات ...

_________


أشتاق إلى مرابع أهلي.أشتاق إلى رائحة الزعتر والعرار .إلى نجوع تمتد إلى الأفق الآخر الذي أذهلني يوم وقفت عليه .ركبت الكميون من الخلف .نزول وهبوط ومشقة لا تطاق.وقفنا في منتصف الطريق على بائع الشاي .إسمه معتوق.يرتدي بدلة زرقاء استحالت  إلى البياض .ويضع قبعة حمراء بالية .يلف خاصة رمادية حول خصره الضامر .كأنه خرج من بين الصخور .الشاي الذي يقدمه لزبائن الصحراء متوج برغوة صافية .على منضدة من الخشب تحملها أربعة صخور بدت كأنها طاولة حقيقية .كل شيء هنا لا يمت للحقيقة.هكذا أجاب على تساؤلي الفج. لا يأتينا أحد سوى الفضوليون الذين يرون وجوههم وهي تندثر مع السراب.بالنسبة لي هذا السديم يمنحني فرصة لتأمل.عندما أنظر في التماهي الغريب كنت أستحضر وجوه أعدائي يقتربون مني في بداية الامر ولكن سرعان ما يذوبون امام عيني .أشعر بسعادة وانا أتصور فنائهم  .

سأله والدي .هل مازالت قوافل ألابل تفد من الفراشيني .سمعت ان اولاد رزق منعوا عنها الماء بعد الطوفان ..إنطلق معتوق وقد جحظت عيناه.ترقب الافق البعيد ثم قال .كانت نلتقي هناك مع القوافل التى تفد من وادي زمزم .تنحي لتقبل مسرى أجدادنا وتأكل نبات الحلفاء قبل أن تستدير الشمس ويحملها مسرى النهر إلى مملكة تارغلات .على تخوم المملكة تصطف الجنيات وهن يرتدين البراقع ويصطففن على ناصية الممر الشهير.أين صعدة ارواح الشهداء .ثم أعاد سبابته والتفت إلى والدي .أولاد رزق يظنون أنهم (أفلح ) منا هل سيزرعون التفاح ونبات السدر يحوي الثعابين التى تحتل نصف أراضيهم .؟  

لم أجد معني لما يفعله معتوق وسط الفناء لولا شربة الشاي التى يقوم بإعدادها للغرباء وقد لا يأتون .لا يمرون .وإن مروا قد لا ينتبهون إلى وجوده أصلا.قال والدي هل تذكر يا معتوق يوم ضاع النفر الذين أرادوا البحث عن كنوز هيلاسيلاسي التى قيل أن الانجليز دفنوها هنا . أخرج معتوق زفرة حارة وثبت نظره على جبلين متجاوربن لا يلتقيان بينهما برزخ من الرمل .ثم قال صولجان الدعي مدفون هناك .أنا هنا من أجل ذلك .حتى مضى على وجودي في هذا المكان أكثر من ربع قرن . النفر الذين تتحدث عنهم كانوا يركبون السيارات .ويحملون مقالع الكهرباء من يتحمل حماقاتهم .قبل أن يصلون دبلاوات السياح والبئر العتيق .أستلمتهم جنيات المملكة أقامت لهم جنائز وهم أحياء.قامت عشرة منهن بنبش الفضاء الممتد من هنا إلى وادي دينار .زحفت جموع الشامتات وعلى رؤوسهن قطع من الصولجان المزعوم.قال والدي الصولجان المزعوم.أجاب معتوق .طبعا المزعوم إذا كان الصولجان حقيقيا سوف تستعمرنا بريطانيا من جديد .هؤلاء الناس لا تثيرهم الخرافات .

قبور النفر الذين تتحدث عنهم اصبحت اليوم طواطم تزار قبل الغروب .كانوا أربعة رجال .واربعة دواليب لسيارتهم التى دفنت أسفل دبيل الحمراء .أين يسرح ذاك القطيع .رمى معتوق عقب السيجار ونفض الغبار عن قميصه البالي ثم قال .هل ستبيتون هنا .؟ 

قال والدي بل نواصل الطريق إلى تارغلات هناك عند القصور الرابضة على ضفة سيليبس يمكننا ان نجد عروسا لهذا الولد .

ألتفت معتوق وقال .او تقدمة قربانا لعرائس الصحراء ..

________________

على غالب الترهوني 

بقلمي

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيف ودرع...بقلم الشاعر أكرم كبشة

كادوا للأمة الإسلامية...بقلم الشاعرة تغريد طالب الأشبال

وداعا يا حبيبي....بقلم الشاعر محمد السيد يقطين

احيانا،ودي ما تغيب الذكريات....بقلم الشاعر رضوان منصور

حوار شعري بين حبيبين.. بقلم الشاعر/م.صبري مسعود.

في هذه الحديقة....بقلم الشاعر نورالدين جقار

نثريات.. بقلم الكاتب/محمد حسن البلخي

تحت وطأة الدجى....بقلم الشاعر توفيق عبد الله حسانين

تهمة في مسالك التحقيق...بقلم الشاعرة مريم بوجعدة

يمضي الليل...بقلم الشاعر أبو روان حبش