تصريف فعل....بقلم القاص احمد علي صدقي
قصة قصيرة:
تصريف فعل.
على ضوء شمعة باهت، انتهى من واجباته المدرسية إلا مادة الصرف. كان قد طلب منهم المعلم تصريف فعل "فَرِحَ" في زمن الماضي وزمن الحاضر وزمن المستقبل..
بدأ بأول ما بدأ به السؤال. انتابته ابتسامة، رآها تبزغ من بين وسط زخم دفاتر تحيط به. هام فكره مع الإبتسامة الجميلة التي حركته حتى أحس في تلك اللحظة وكأنه في سعادة حقيقية..
كتب: فرحتُ أنا. وفرح هو، وفرحوا جميعهم..
رجع للسطر ليتابع صرف الفعل في زمن الحاضر.. اعتراه نكد.. انكمش قلبه.. ضاق صدره.. وقف شعره.. سمع صوتا يقول:
أنت كاذب إن كتبت: أنا أفرح ألآن أو هو يفرح، أو هم يفرحون.. نظر حوله. ليس هناك أحد ولا شيء.. فقط، بجانبه دفاتره المنشورة وفوق أحدها قطعة خبز يابسة بقربها نصف كأس شاي بارد.. تعجب لأمره. لأول مرة ينتبه أن على غلاف كل الدفاتر رسمت خريطة فلسطين.. بكى حتى الإختناق.. قال في نفسه:
- لن يسمح لي ظميري أن أصرف هذا الفعل في زمن الحاضر. كيف أقول أفرح وإخواني لحومهم تمزقها مدافع قوم لا يرقبون فيهم إلاً و لا ذمة.. كيف أصرف هذا الفعل في زمن الحاضر وحكامنا ترى ما يقع ولا تحرك ساكنا...
قال: لن أكتب هذا ولو يعاقبني المعلم.. سأتجاهل هذا التصريف وأمر إلى صرف الفعل في زمن المستقبل.. ما كاد يبدأ الكتابة حتى هبت ريح قوية.. انطفأت الشمعة التي كان يرى بنورها.. دخل في ظلمة دامسة لبضع دقائق وكانت كأنها أعوام. رأى فيها من الكوابيس ما أفزعه.. تمرد الفعل وانقلب إلى ضده. أحس بفعل "فرح" ينقلب إلى فعل "ابتأس".. زادت شدة الظلام. هلوس الولد. أحس بجزع.. برعب.. برهبة.. بخوف.. كادت تأخذه نوبة قلبية لولا صوت أمه الذي ارجعه لوعيه لما قالت:
- يا ولدي! قم لتنام، فالكل قد غط في نومه.. الكل قد مات..
جمع دفاتره وهب لينام وهو واتق أنه سيعاقب غدا على عدم تصريف الفعل في زمن المستقبل. لكنه ما ندم بعد أن تيقن أن فعل"فرح" لا يتصرف في زمن الحاضر ولا في زمن المستقبل، وإنما تتصَرَّف فيه مرادفاته: اسْتَاءَ و تَكَدَّرَ وتَلَهَّفَ وحَزِنَ وكَئِبَ وكَمِدَ...
أحمد علي صدقي/المغرب.
تعليقات
إرسال تعليق