خطبة الجمعة(نعمة العقل،العقول المحمدية)...بقلم الكاتب والناقد والباحث حسين نصرالدين علي إبراهيم


 


خُطبة الجُمعة المُوافق الخَامِسُ من ديسمبر2025 بمسجدِ(دعوة الحق برأس البر)اعتلى المنبرَ الشيخُ/ أحمد فرحات،بارك الله فيه،عنوان الخُطبة (نعمةُ العقلِ،العُقُولُ المُحمدية)،النصُوصُ من مصَادِرِها الطبيعية القُرآن الكريم والسُنة النبوية المُكرمة،والصياغة بقلم:حُسَيْن نصرالدين:

مُقدمةٌ : استهل َالشيخُ الكريمُ خطبته بالحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد المُرسلين ﷺ ، أمَّا بعد : إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ،نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِأَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا،مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَاهَادِيَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنْ لَاإِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدُجى ومن تبعهم واقتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين،وقال تَعَالَى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّاوَأَنتُم مُسْلِمُون)102من سورة آلِ عمران،وقال تعالى(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْئٌ عَظِيمٌ)1الحج .            

(نعمةُ العقلِ،العُقُولُ المُحمدية وفق التربية النبوية المُحمديةِ،على صاحبها الصلاة والسلام) مُقدمة ٌ:

والهدفُ من موضُوع ِالخُطبة هو:التوعية بضرورة التفكيرالإيجابي وإعمال العقل والآثارالوخيمة للتَّفكير السَّلبي،فإنَّ العقول المُحمدية هي تلك العقول التي رَعَتها المفاهيمُ القرآنية،وصاغتها أنوارُالنبُوةِ،شيئًا فشيئًا حتى إذا تكاملتْ بهذه المعَانِي ونضجَتْ ورقَتْ واستَوتْ؛آتتَ ثمارَها وأُكُلها تفكيرًا إيجابيًّا يعودُ بالنفع على صاحبِه وعلى ذَوِيه،ومنْ ثمَّ على المُجتمع الذي يحيا فيه،لاتفكيرًا سلبيًّا ينعِى صاحبَه على نفسه ومُجتمعه والظروف من حوله،فهي عقول نيِّرة تبني ولا تهدم،وتُعينُ ولا تُعيقُ،لاتعرفُ ذمَّ النفس ولالعن الظروف،لاتستسلمُ للأفكارالسلبية التي تجرُّالمرءَ للشكْوَى والعجز،بلْ ترتقِي به  لميادِين العمل والإصلاح واليقين .

ففي القرآن الكريم الأمر بالعناية بالتعقل والتدبر:

أكثرالحقُّ سبحانه من ذكرالعقل ومُشتقَّاته في القرآن الكريم،إذْ وردَ نحو تسعٍ ٌوأربعين مرَّة بصيغٍ مُتعددة تؤكِّد قيمة التفكير،ونبلَ التدبُّر،وشرف إعمال النظر،لم ْيَقِفِ الخطاب الإلهي عند هذا الحدِّ،بلْ دعم المعنى بذكرألفاظ أخرى تُعاضِدُ وظيفة العقل وتُغذّيها،مثل:التفكُّر،والتذكُّر،والنَّظر،والبصيرة،والألباب،وغيرها؛ وكلُّها إشاراتٌ قرآنية مُتتابعة تُبرزُأن َّصناعة العقل الواعِي ليْستْ أمرًا ثانويًّا في الدين،بلْ هي جزء أصيل من بناء الإنسان المُؤمن،وشرط لازم للارتقاء بالمُجتمع والإصلاح والقيام بأمانة الاستخلاف في الأرض،قال تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٤٤،﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٣،﴿إِنَّ شَرَّالدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُون﴾ الأنفال: ٢٢،﴿وَمَا يَذَّكَّرُإِلَّا أُولُوالْأَلْبَابِ﴾ البقرة: ٢٦٩،﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب﴾ آل عمران: ١٩٠،وهكذا .

وقد أحسن الأستاذ العقاد رحمه الله حين قال:"القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مُقام ِالتعظيمِ والتنبيهِ إلى وجوب العمل به،والرجوع إليه،ولا تأتي الإشارة إليه عارضةً ولا مُقتضبةً في سِياق الآية؛بلْ هي تأتي في كل موضع ٍمن مواضعِها مُؤكدةً جازمةً باللفظ والدلالة،وتتكررُفي كل معرض ٍمن معارضِ الأمرِوالنهي التي يحثُ فيها المُؤمن لتحكيم عقله،أويُلام فيها المُنكرعلى إهمال عقله،وقبول الحجرعليه".

دعوة ُالإسلام إلى إعمال العقُولِ :

والانفتاح على خبرات البشرية،ذلك لأنَّه دينٌ عقلي،فإذا أعمل الإنسان ُعقلَه،وفكرَبمنطق سليمٍ؛فسوف يكتشف ُالحقيقة،وهي:أنَّه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فاطر: ٢٨.

فوحدة ُالكونِ،ووحدةُ القوانين العلمية ...؛ كلها تشهد بوحدانية الله سبحانه .

والعُقولُ ثلاثة ٌ:سطحيٌّ،وعميقٌ،ومُستنيرٌ:وفي تقسيمٍ آخر:حيواني ،وشيْطاني،أوجهنمي،وعقلٌ مُحمديٌّ:

فالعقلُ السطحيُ: هوالذي تعوّد أنْ يقفَ عند ظواهرالأمور،ويكتفي بإدراكها والعبورعليها،دون غوص ولافكرولاتحليل،فهو مشغول ٌدائما بالأحداث والأشخاص،يلهثُ وراء مُجريات الحياة التي لاتنتهِي،يغرقُ  في ضجيجها،وأحوال الأشخاص،وشئون معيشتِهم،يظل طوال العمر،هويغوص ُفي تلك الرمال المُتحركة

وأما العقلُ العميقُ: فهوينظرُإلى الأحداث والأشخاص والأحوال والوقائع،فيعرفُها ويُدركُها،لكنَّه لاينشغل بها،ولايتوقفُ عندها،ولايكتفِي بسَرْدِها والحديث عنها،بلْ يرتقِي إلى تأملِ ما وراءهَا من قضايا،وما يتسببُ فيها من أفكارٍ،وكُلما طَرأتْ عليه أحداثُ الحياة بضجيجِها وصخبِها وزحامها،انصرف َعن ذلك كلِّه إلى ما يُحرك كل ذلك من عواملَ،فتتجردُ في نظرِه كل الأحداث من أثوابِها وزخَارفِها،حتَى يرى بوضوحٍ من أين تبدأ وتنشأ،وإلى أين تمضِي وتؤُول؟،فهويرى كل أحداث الحياة من منصة ٍعاليةٍ،تسمُو فوق أحداثها الصاخبة المُتلاحقة اللاهثة،فلا ينجرف ُفي جزئياتها،ولا تغمرُه بأمواجها،بلْ يراها من أعلى وأما العقلُ المُستنير:وهويعرفُ الأحداث والأشخاص،ويرصُدُ كلَّ ذلك،يُلمُ بمُجرياتِ الحياة كالعقل الأول ثم يغوصُ إلى أعماقِها،ويرى ما وراءها كالعقل الثاني،ثُمَ يربطُ كل ذلك بالله،فإذا به عقل أنارتْ أمامه الكائنات والحادثات والوقائع،وزادته ربطًاً بالموْلى سبحانه،وهوعقل يتأملُ،ويُحللُ،ويُفكّرُ،فيرى الله تعالى في كل شيءٍ .

الوحيُ الشريفُ وتعزيزُالتفكيرِالإيجابي :

عزَّزَالقُرآنُ الكريم معنى أنْ يكونَ المُؤمنُ مُفكراً تفكيراًيجابياً نافعاً في مُجتمعه،وأوضح أنَّ الخيرَفي الإيجابية الفاعلة،لافي الأمُنيات المُجرّدة،أوالأحلامِ،قال تعالى:﴿لَا خَيْرَفِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْمَعْرُوفٍ أَوْإِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ النساء:١١٤،فالقرآن يُقررُقاعدةً عظيمةً،أنَّ الخيركله في المُبادرات التي تُصلح،وتبني،وتُوجّه طاقة صاحبها نحوخدمة الناس،وفي التفكيرالإيجابي ما يُوجّه المُؤمنَ إلى أنْ يجعلَ عقلَه مُنصرفًاً إلى البناء لاالهدم،وإلى  التعاونِ لاالتخاذل،قال تعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَاتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان﴾ المائدة: ٢.

ويضربُ اللهُ تعالى الأمثال؛ليُوقِظَ العقول،ويلفتَ الأنظارَإلى ما أرادَه من عباده،فيلتزمُوا أمره،ويجتنبُوا نهيه،ويهتدُوا بهديه في مسيرتِهم،ومن أعظم هذه الأمثال ما جاء ليُميّزَبين النافع وغيرالنافع،وبين من يحمل في نفسه قدرةً على الخيروالعمل،ومن لايحملُ إلا العجزوالاتّكال،قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَعَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ النحل: ٧٦،فهذا مثلٌ بليغ يبيِّن الفارق الهائل بين الإنسان الذي عُطِّلت قواه،فلاينتفع ُبعقلِه ولابلسانِه،يعيشُ عالةً على غيره،لايُرْجَى منه خيرٌولايُنتظرمنه نفعٌ؛وبين إنسانٍ آخريُفيضُ عدلًاً،ويهدِي إلى الصراط المُستقيم قولًا وعملًا،فهومصْدَرُ صلاحٍ لنفسه ولغيره .

فالقُرآنُ يُوجّهنا بهذا المثل إلى أنَّ قيمة الإنسان ليْستْ في وجودِه المَادِي،بلْ فيما يُقدّمُه من نفع،وما يقومُ به من عدل،وما يسيرُعليه من هداية؛وأنَّ العجزَالحقيقي هوعجزالفكروالإرادة،لاعجزالجوارح .

أسسُ التفكيرِالإيجابِي :

الإيمانُ بالله تعالى والخضُوع لجنابِه :قال تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَأُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ آل عمران: ١١٠ .

العلمُ : فالتفكير حتى يكون فاعلًا لا بد أن ينبني على العلم والمعرفة،ومن هنا نفهم التوجيه الإلهي في مُفتتح وحيه لنبيه بقوله تعالى:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ *  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم﴾ العلق: ١ – ٥ .

ويقول تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الزمر: ٩.

ويُوضِّحُ النبي ﷺ فيما رواهُ أبو داود،أنَّ العلمَ ميراثُ الأنبياء،وأنَّ الأنبياء ما أتوْا إلا لنشرالفكرالإيجابي في كل صوره العقدية والتعبدية والاجتماعية وغيرها،ونزع الأفكارالسلبية في كل مُستوياتها،ومن أخذ بالعلم فكأنَّما يقومُ بهذه المُهمة الشريفة،فيقول(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ،وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ،وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ،وَمَنْ فِي الْأَرْضِ،وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ،وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ،كَفَضْلِ الْقَمَرِلَيْلَةَ الْبَدْرِعَلَى سَائِرِالْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ،وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا،وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ،فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِ)

التواصِي بالحقِ والصبرِ:قال تعالى:﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾ .

السُنة ُالنبوية ُومُواجهةُ التفكيرِالسلبي :

قدَّمتْ السُنة النبوية المُطهرة منهجًا راسخًا في صناعة التفكيرالإيجابي،وتحريرالنفس من الفتُوروالانهزام  الداخلي،فقد كان النبي ﷺ شديد العناية بسلامة الباطن قبل ظاهرالجوارح،يربّي أصحابه على قوة الإرادة وحسن التوجّه،ونبذ كل ما يُورث ُالوهن أويُغذي مشاعرالعجز،ومن ذلك 

التعوذ بالله من العجز والكسل:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله ﷺ يقولُ:(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) رواهُ البُخارِي .

فهذا الدعاء النبوي مدرسة كاملة في مُواجهة التفكيرالسلبي؛إذ يبدأ بالاستعاذة من العجزالذي يشلُّ الهمةَ، ومن الكسل الذي يُهدرُالطاقات،ومن الجُبن يُقعدُعن الحق،ومن الهرمِ يُضعفُ القُوى ويُقربُ الفتُور.

استعنْ بالله ولا تعجزْ:

قال النبيِّ ﷺ :(الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ،خَيْرٌوَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ،وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ،احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ،وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ،وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ،فَلَا تَقُلْ لَوْأَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا،وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُاللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ،فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مُسلمٌ .

فهذه الوصية الغالية من أعمق الوصايا النبوية في علاج التفكيرالسلبي؛فهو يضع بين يدي المُؤمن منهجًا عمليًّا يُحوِّلُ الذهن من دائرة الشكوى لدائرة المُبادرة،بالقوة،وهي ليست قوة البدن فحسب،بل قوة العقل والإرادة والروح،قوةٌ ترفض الاستسلام للأوهام،وتبني رؤية إيجابية،تُوقظ العزيمة،وتُوجّهُ العقل نحو ما ينفعُه،ثم تأتي(استعن بالله) لتعيدَ ترتيب الداخل،وتغرِسَ في القلب الثقة بأنَّ العونَ الحقيقي لا ينقطعُ ما دام الإنسان مُتوجّهًا إلى ربّه،وأن الفكرالإيجابي لايستمدُ طاقته من الظروف وحدها،بلْ منْ سندٍ إلهي يثبتُ الخُطَى ويُقَوِّي الإرادةَ،ثم(ولاتعجزْ)،فهوضربة قاصمة لجذورالتفكيرالسلبي؛إذْ يقطع الطريق على التردد والانسحاب الداخلي،يُعيدُ تشكيل النظرة إلى الأزمات باعتبارها محطات إصلاح لامعابرانهزامٍ وانبطاح.

ثم:(لاتغضبْ) :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ :(أَوْصِنِي)،قَالَ:(لاَ تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرَارًا،قَالَ:(لاَ تَغْضَبْ) رواهُ البُخارِي،وهذا النهي ليس مجرّد ضبط انفعال،بلْ منعٌ لانفجارسلسلة من المشاعروالتصرفات السلبية التي قد تجرّعلى الإنسان ندمًا طويلًا،بمعنى إدارة النفس باب عظيم من أبواب التفكيرالإيجابي،وللغضبِ كما هومعلومٌ أثره السلبي على السلوكِ والأخلاقِ .

فلا للعقلية الخُرافية،ولا لعقلية الاستسلامِ والانبطاح والتخاذُلِ :

والعقلية الخُرافة،وهي العقلية التي لاتُفرِقُ بين المجالات المُختلفة،ولاتقيم الدليل المناسب لإثبات القضية محل النظر،ولاتتبع منهجًا واضحًا مُحددًا من قبل في التعامل مع الحقائق،ولاتعتمِدُ مصادرَللمعرفة،وهذه العقلية لها مناهج مُتعددة تختلف جميعها عن المنهج العلمي،وهذه المناهج تدعُوإلى الانتحارأوالانبهارأو الاجترارأوالانحساروالعُزلة،أوالاغترار،وكلها مناهج مرفوضة،ماضوية،وليست واقعية مُستقبلية .

هنا نستعرضُ بإيجازٍ عن خُطواتٍ إجرائيةٍ للتفكيرالإيجابي وعقلية العلم وتجنب التفكيرالسلبي والخرافة :

التعوّدُ على الاستعاذة والاستعانة بالله،والاعتمادعليه وحده،عند مُواجهة أي موقفٍ مُحبطٍ أوصعبٍ.

مُراقبة الأفكاروتنقية العقل،ومُحاولة اكتشاف أي أفكارسلبية أومُدمّرة قبل تغلغلها .

تحويلُ الفكرالسلبي إلى إيجابي،والاستعانة بالله وحده .

العملُ والحرص على ما ينفعنا،لحديث النبي ﷺ :(احرصْ على ما ينفعك،واستعنْ بالله ولا تعجزْ) .

ضبط الانفعالات،وعدم الغضب أوالإحباط .

التفاؤلُ والمُناجاةُ الذهنية الإيجابية .

إحاطةُ النفس بالبيئة الداعمة،وصحبة المُؤمنين الإيجابيين،والقراء والاستماع لما هو مُحفزٍ.،وما يُساعد على تعزيزالتفكيرالبنّاء وتقليل التشاؤم .

ولقد ضربَ الشيخُ الجليلُ مثاليْن من الأثرالطيبِ من صحابة رسولنا الكريم ﷺ يدُلَّانِ على إعمالِ العقلِ واستخدامِه في خيْرِصاحبِه وهما :

مثال الصحابي الجليل سيد قومٍه : الطفيْل بن عمرو، والصحابي الفارس البطل المغوارخالد بن الوليد سيف الله المسلُول،رضيَ الله عنهما وأرضاهما .

فأسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه مُتأخِّراً في صفر للسنة الثامنة من الهجرة النبوية،بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة،وكان له دوره البارزفي فتحِ مكة فكان قائدَ لواءٍ،كما كان له الدورالأبرزفي موقعة مُؤتة في السنة الثامنة للهجرة،هذه هي عقلية خالد،التي قال عنها رسولنا الكريم ﷺ أنَّه لنْ يهديه إلَّا إلى الخيرِ

وقال له:(عقلك!! ومِثْلُ الإسلام يَجْهَلُهُ أحد؟!) كما رواه البيْهقِي .

وأمَّا الطُفيْل بن عمروالدوْسِي،فهُوصَحَابي جليل رضيَ الله عنه،تميَّزبالعقلِ والحكمةِ،وكان فقيهاً شاعراً، وأول السابقين للإسلامِ،أسلم قبل الهجرة،واستشهدَ في حروبِ الردَّةِ بمعركةِ اليمامةِ،وهوأول من طلب هجرة الرسول  إلى دياره ونصرته .

والله أسأل أن ْيَقِيَ أمتنا ومصرنا الفتن،ما ظهرَمنها وما بطنَ،وأنْ يرُدَنا إلى دينه مَردًّا جميلًا،وانصرْإخواننا المُستضعفين في غزةَ العِزَّةَ والسُودانِ،نصراً مؤزراً،اللهم آمين .

أحسن الشيْخُ وأجادَ،وإلى جمعة ٍ قادمةٍ إنْ شاءَ اللهُ إنْ كان في العمرِ بقية ً.

 

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قالت احبك...بقلم الشاعر موفق محي الدين غزال

ماذا لو...بقلم الشاعر موفق محي الدين غزال

قلم وقهوة....بقلم الشاعر د.عزمي رمضان

الفلسفة والنقد((زجل باللهجة العامية اللبنانية))....بقلم الشاعر يوشع علي اسماعيل

نظرة ومدى....بقلم الشاعر موفق حي الدين غزال

ترى،كم رتبتي؟!!!....بقلم الكاتبة ليلى قوال

جاءت عيناك..بقلم الشاعر أحمد جابر أبو هنتش

أفول بلا افق(1)...بقلم الشاعر محمد أكرجوط

اِتأمل...!.....بقلم الشاعر حمود إسماعيل الشبيبي

نجمتي....بقلم الشاعر د.محمد راشد راشد