رواية (ذاكرة الزمن)....بقلم الاديب والروائي سالم أبو دبوس


 رواية ( ذاكرة الزمن ) 

الباب الأول من صفحة1 /19

............................................

أسرع فراس في خطواته كي يلحق بالموعد، وكانت دقات قلبه أسرع من الخطى وأنفاسه تزداد وهو يمشي على الرصيف المحاذي للشاطئ. وكان الوقت عند تمام الساعة التاسعة ليلاً بتوقيت المغرب.

كان يحمل في  إحدى يديه حقيبة وفي يده الأخرى تذكرة السفر التي استلمها من مكتب السفريات بجوار الميناء قبل أن يأخذ طريقه تجاه الشاطئ والميناء، وكانت الباخرة (السلام) تنتظر على الرصيف.

حاول فراس أن يرى الباخرة (السلام) وهي تقف راسية على الرصيف بميناء الدار البيضاء (كازابلانكا ) وهي في أوج زينتها بطوابقها الخمسة والأضواء تنعكس على سطح المحيط الأطلسي وهي تنتظر الركاب لتشرع في رحلة جديدة نحو ميناء أخر في هذا العالم الواسع الأفاق.

بعد قليل وصل فراس بوابة الميناء وكان قد سبقه مجموعات كبيرة من السياح المغادرين للمغرب متوجهين نحو أوربا فمنهم الفرنسيون والأسبان والبرتغاليون والانجليز والسويديون والهولنديون والألمان و معهم جنسيات أخرى.

تبع فراس هذه الحشود بالفطرة فوصل به المسير إلى بوابة صالة المغادرة بالميناء حيث الجوازات و رجال الجمارك بالميناء وهم يقومون بعملهم من خلال ممرات مخصصه لهذا الغرض.

أسرع فراس بالوقوف في الطابور ليتمكن من إتمام إجراءات المغادرة مع المجموعة، وبسرعة وجد نفسه أمام شباك صغير من الزجاج حيث طلب منه تسليم جواز سفره والتذكرة  وعلى الفور قام فراس بتسليمه إياه دون تردد

سأله رجل شرطة الجوازات: هل هذه أول زيارة لك إلى انجلترا ؟

فأجابه فراس: نعم.

قال الشرطي : لماذا أنت مسافر هل أنت ذاهب للعمل ؟

قال فراس : لا أنا ذاهب للدراسة.

2

فقال الشرطي : بالتوفيق أتمنى لك رحلة موفقة بإذن الله

قال فراس : شكراً

وتبع فراس الأفراد الذين سبقوه لإتمام إجراءاتهم وذهب خلفهم في اتجاه الباخرة (السلام ). وما إن خرج مع من سبقه من الصالة حتى وجد الحلم أمامه ينتظر وكانت الباخرة التي طالما تمناها وهي تحمله وتشق به البحار والمحيطات إلى حيث تتحقق الأحلام.

ركب مع بقية المسافرين في الباخرة ( السلام ) من باب  كبير كان يتسع  لصعود بعض المركبات والحاويات الضخمة من المؤخرة و من هذا الباب أيضا" كانت تتزود الباخرة بما يلزم الطاقم والركاب من مواد غذائية ومؤن وبضائع أخرى.

بعد لحظات  اتجه الجميع  و على متن الباخرة في اتجاه السير الصحيح الذي يجب أن يسلكه الجميع حيث قاعة الإستقبال في الباخرة و بعدها صعد فراس إلى الطابق الأول رفقة المجموعة.

دخل الجميع إلى صالة الإستقبال حيث كان بعض الموظفين ورجال الأمن الخاص بالباخرة ينهون بعض الإجراءات الضرورية  للركاب  حيث يتم توزيعهم  كلٌ  حسب تذكرته وحجزه المسبق المدون في تذكرة السفر ولكل شخص على حدى فيقوم كل راكب باستلام مفتاح الغرفة التي سوف يقيم فيها خلال فترة الرحلة على متن هذه الباخرة (السلام).

دقائق وبعدها وجد فراس نفسه وجهاً لوجه أمام فتاة حسناء   فقام بتسليمها تذكرة السفر والجواز  فبادرته الحسناء ونظرت إلىه وهي تبتسم قائلة :

: نتمنى أن تكون رحلة موفقة يا سيد فراس على متن هذه الباخرة.

قال فراس بخجل: إن شاء الله ...شكراً... وهو يبتسم وكأنه استأنس وجودها هنا وكان يبتسم في وجهها بسرور.......  .

قالت وهي تقوم بإعطائه المفتاح : سوف تكون جارنا في الطابق الخامس

ثم قالا معاً (وهو ينظر إلى اللوحة المعلقة بالمفتاح بيد الفتاة موظفة الإستقبال ) 501 وكانا يبتسمان حيث خرجت الكلمة في نفس التوقيت ...!

3

قالت: نتمنى لك رحلة وإقامة موفقة ان شاء الله على متن الباخرة السلام

قال: إن شاء الله ...شكراً... أين توجد هذه الغرفة ؟

قالت: في الطابق الخامس  ويمكنك استخدام المصعد الذي أمامك ( وهي تشير الى جهة المصعد )

قال: حسناً .... شكراً لك عزيزتي

غادر فراس المكان وهو يحمل حقيبته و يتجه إلى غرفته مستخدماً المصعد وما إن وصل الطابق الخامس وفتح الباب حتى وجد نفسه أمام غرفته مباشرة فلقد  كانت  بجوار المصعد في بداية الممر.

قام بفتح الباب ثم دخل وهو يهمهم ويقول: ( بسم الله الرحمن الرحيم )  توجه نحو السرير ووضع حقيبته على عجل ثم استدار ورجع مسرعاً يبحث عن شرفة تطل  على المدينة التي  سيغادرها في رحلة طويلة وبعيدة.

توجه نحو المصعد فوجد بابان واحد على يمينه والأخر عن شماله كلاهما يطلان على جانبي الباخرة.  فاختار الجانب الذي يطل على المدينة مباشرةً.

هنا شعر فراس وهو يقف في الشرفة بأنه مسافر فعلا" وأنه على متن الباخرة الأن وأنه ترك خلفه أمه وأخته مريم وحيدتين في المغرب وهو سوف يكون بعيداً و لمدة خمس سنوات من أجل تحضير رسالة الماجستير والدكتوراه في جامعة ليفربول بقسم الدراسات العليا في العلوم والتقنية الحديثة في مجال الطاقة البديلة. حيث كان مشروع تخرجه وتفوقه في كلية الهندسة. جامعة الدار البيضاء ) تحت عنوان: (الطاقة البديلة).)

وكانت الجمعية البريطانية للعلوم والتقنية التي تبنت المتفوقين في مجال العلوم هذا العام خصصت فراس دون غيره من الطلاب في المغرب نظراً لأهمية المجال في تطوير التنمية والعلوم في بعض الدول النامية. و لقدكانت سياسة الجمعية اختيار سبعة طلاب من كل دولة من الدول النامية.

منحت الجمعية فراس قيمة مالية كدفعة أولى حتى يتمكن من إتمام إجراءات السفر والرحلة، فما كان من فراس إلا أن ترك نصف القيمة عند أمه حتى يطمئن على تغطية بعض المصاريف الخاصة بالعائلة فلقد  كان والده متوفيا" و منذ خمس سنوات. وكانت أمه هي من تعول  عائلتها  وتتكفل بكل  مصاريفهما هو و أخته مريم والتي بلغت الخمسة عشر ربيعاً هذا العام.

4

 وفي هذه الأثناء و حيثما  كان فراس يودع هذه المدينة الجميلةو التي يحمل لها كل الحب والوفاء ..........  كان ينظر وبتأمل   بكل أسى وأحس بحزن لفراقها وفراق أمه وأخته الصغيرة .....

 بعد لحظات سمع  صوت محركات  الباخرة  التي بدأت تقوم بالدوران والعمل استعداداً لرحلة أخرى جديدة عبر المحيط الأطلسي أحس  ببعض  الدموع وهي  تنزل من عينيه  و تنحدر على خديهوبدون وعي منه..... !

و ما هي إلا دقائق حتى جاء صوت رقيق عبر مكبرات الصوت يعلن فيها عن بداية الرحلة حيث سوف تقوم الباخرة السلام بعد قليل  بالإبحار من ميناء الدار البيضاء متجة إلى ميناء لشبونة بالبرتغال ثم إلى محطتها الأخيرة حيث ميناء ليفربول بإنجلترا.

وعقب ذلك جاء صوت أخر عبر البوق المثبت في أعلى الباخرة وهو صوت الباخرة تعلن فيه عن المغادرة وبعد قليل بدأ عمال القواطر وعمال الميناء الموجودون على الرصيف يقومون بفك الحبال من الرصيف وسحبها إلى الأعلى عن طريق بكرات كبيرة تقوم بسحبها بشكل آلي وسريع ............. . وتركت بعض الحبال للقوا طر  والتي بدأت تقوم بسحب الباخرة وإخراجها ببط من الميناء إلى الخارج. وفي هذه الأثناء كانت الباخرة مستمرة في تشغيل المحركات الخاصة بها حتى تقوم بمساعدة القوا طر في عملية السحب وإخراج الباخرة من الميناء بسرعة أكثر. فكان فراس يراقب هذه العملية كنوع من الفضول.........  !! وهو لايزال معلقا" عينيه بمدينته و التي بدأت تبتعد عن الأنظار رويداً رويداً  ........  وبدأت الباخرة (السلام ) في الإبتعاد عن اليابسة وهي تخترق الأمواج بكل قوة ولايزال فراس واقفاً ينظر إلى بقعة الضوء البعيدة والتي بدأت بالإختفاء شيئا" فشيئا" و من الحين إلى الأخر حتى تلاشت واختفت تماماً عن الأنظار.

 وبعد أن يأس فراس من وجودها فكر في العودة إلى الغرفة كي يستريح ويريح جسده المنهك طوال هذا اليوم.

و في أثناء عودته ودخوله إلى الممر التقى بتلك الفتاة وهي تخرج من المصعد في بداية الممر

فبادرته بقولها  : مساء الخير سيد فراس.

فرد عليها : مساء الخير عزيزتي.

5

قالت : أتمنى أن تكون الغرفة قد أعجبتك.... ؟

قال : نعم هي جميلة شكراً لك عزيزتي. ليلتك سعيدة إن شاء الله _قالها وهو  يبتسم _

قالت: ليلتك سعيدة نتمنى لك نوماً هادئا" ورحلة  ممتعة.

ذهبت الفتاة إلى غرفتها ودخل فراس غرفته ثم قام بالإستحمام تحت الدش ونام على حتى الصباح.

 وفي صباح اليوم التالي 27/9/1973 استيقظ من نومه على صوت الأمواج المتلاطمة على جنيات الباخرة السلام وهي  مستمرة في الإبحار دون توقف.

قام من فراشه و شعر بعدم توازنه بمجرد وقوفه على أرضية الغرفة وبدأ يحاول أن يأخذ توازنه وقف بثبات محاولاً الدخول إلى الحمام لكي يتوضأ ثم خرج وقام للصلاة وبعدها قام بتبديل ملابسه وهم بالخروج لكي يبحث عن مطعم الباخرة لتناول وجبة الإفطار الصباحية وأول ما فكر به هو النزول إلى الأسفل ليقوم بالإستفسار من مكتب الإستعلامات عن مواعيد الوجبات  ومكانها.

و ما إن خرج من باب المصعد وهو يقف أمام الإستقبال ومكتب الإستعلامات في الدور الأول حتى وجد الفتاة تنظر إليه بابتسامة جميلة.

قال: صباح الخير.

فردت: صباح النور كيف حالك؟

قال: بخير. الحمد لله كيف حالك أنت عزيزتي ؟

قالت: الحمد لله - لقد مررنا هذا الصباح بعاصفة قوية كانت الباخرة بمحاذاة مضيق جبل طارق.

قال: لقد نمت نوماً عميقاً لأنني كنت متعبا" يوم الأمس ولم أستيقظ إلا الأن.سألته: هل تناولت إفطارك ؟

أجابها : لا لم أفطر بعد ولكن أتيت لكي أسأل عن مواعيد وجبات الطعام ومكانها.

قالت: الأن الساعة التاسعة  وعليك الذهاب لتناول الإفطار في المطعم في الطابق الثالث  قبل أن يقفل أبوابه بعد نصف ساعة من الأن.

6

قال: حسناً سوف أذهب الأن.

قالت ( وهي تبتسم في وجهه ): إن شاء الله  فراس نراك لاحقاً

غادر فراس المكان متجهاً نحو المصعد ليقصد الدور الثالث وبعد أن وجد المطعم ولوحة الإعلان فوق الباب تبين اسم المطعم ومواعيد العمل به قام بالدخول والتوجه إلى طاولة فارغة و جد عليها بعض الأكواب والأطباق والسكاكين والملاعق والشوكات والمناديل المرتبة فقام بأخذ صحن وكوب وتوجه به نحو الطاولة الأخرى و التي كان يوجد فوقها ( البوفيه ) كامل ويحتوي  على جميع أنواع  الكيك والخبز وبعض أنواع  الجبن والبيض المسلوق والمربى والزبد والزيتون وغيره من الأصناف. وكذلك اتجه إلى الطاولة الأخرى و التي وضع فوقها بعض الأواني التي تحتوي على القهوة والشاي والحليب الساخن.

وبعد أن غادر المطعم اتجه إلى الطابق الخامس وهذه المرة دخل إلى الشرفة المطلة على البحر وبمجرد أن فتح الباب لطمت  وجهه ريح قوية فتقدم نحو الحاجز الذي على جنبات الباخرة (السلام ) وهو ينظر نحو الأفق بذهول واستغراب  فلقد كان البحر في حالة هيجان والأمواج العاتية تعلو وتعلو و تجعل  الباخرة في حالة من  الصعود والنزول باستمرار.

لم يطل فراس البقاء في الشرفة ........ دخل ردهة الباخرة حيث الممر والمصعد وهو قاصداً جولة في هذا الفندق العائم  وا لذي يرقص بقوة على إيقاع هذه الأمواج العاتية محاولاً  البحث عن المقهى فسأل أحد المارة الذين كانوا بالممر عن مكان المقهى فكان جوابه: يوجد في مقدمة الباخرة في الدور الثاني.

توجه مباشرةً  إلى  المقهى فوجد عدد من الركاب يجلسون في هدوء وصمت وكأنهم ينتظرون قدومه نحوهم. ولكن ما إن جلس على أول كرسي حتى قام أحد الركاب بالتقيؤ (لإصابته بدوار البحر) فنظر فراس في حالة استغراب وقال في نفسه: هل إلى هذا الحد لا يستطيع الناس التحمل أم أنه البحر...... ؟ !!

فقام فراس من مكانه وخرج من المقهى وهو منزعج مما رأته عيناه، ولم تتوقف الباخرة عن الإبحار وهي تقفز فوق الموج موجة تلو الموجة في استمرارية مذهلة.

عاد فراس من جديد إلى أول شرفة وكانت في نفس الطابق في الطابق الثاني محاولاً أن يلتقط هواء نقيا" في الخارج.

7

بدأ فراس يفكر من جديد في رحلته وكأنه بدأ يشتكي للبحر عن مدى انزعاجه وتوتره الذي انتابه قبل قليل.

فذهب به التفكير إلى مدينة الدار البيضاء التي تركها خلفه وليس مباليا" بكل ما سوف يجده أمامه من مشاكل أو معوقات. ولكن كان الحزن هو المسيطر على تفكيره. ولكن رغبته في الرحيل حيث كانت تتجه الباخرة ( السلام ) إلى محطتها القادمة في اتجاه ليفربول ومينائها القديم حيث الحلم الذي طالما كان يحلم به.

كان فراس وهو طالب يحلم بإكمال دراسته بعد تخرجه من جامعة الدار البيضاء كلية الهندسة وقد تم اختياره من قبل الجمعية البريطانية للعلوم ومقرها ليفربول وهو الأن يحاول استكمال دراسته في جامعة ليفربول حيث استلم منها خطاب عبر البريد تعلن فيه الجامعة موافقتها بقبوله هذا العام.

وكان يعلم منذ البداية أن الرحلة سوف تستغرق ثلاثة أيام (نظرا" لسوء الأحوال الجوية   وارتفاع نسبة المد والجزر).

كان فراس شاباً وسيم الوجه، دائم الإبتسامة خجول بعض الشيء قليل الكلام. وكان جسده وبنيته في صحة جيدة وكان يبلغ من الطول 1.74 ووزنه كان يقترب من 75 كج، وهو إنسان رياضي يحب ممارسة الرياضة مع رفاقه في الجامعة.

وكان من الصدف أنه من أحد مشجعي فريق ليفربول لكرة القدم وهذا جزء من حلمه يتحقق مما يشجعه على تحمل كل هذه المشقة والتعب في سبيل أن يرى فريقه وهو يلعب.

وكان حبه للعلم أكبر بكثير وخاصة أنه نجح  بتفوق في الجامعة ومن بين الكثير من الطلبة وهو كان الأول في  دفعته في مجال تخصصه (الهندسة الكهربائية). حيث حلمه الأكبر وهو يفكر أنه كيف سينجح في رسالة الماجستير في مجال ( الطاقة الشمسية)

صعد فراس إلى الطابق الخامس ودخل الغرفة واستلقى على السرير وكأنه شعر بنوع من التعب والإرهاق.

بدأ فراس يفكر ويخشى على أمه وأخته اللتين تركهما خلفه في المغرب. حيث كانت الجمعية البريطانية للعلوم هي من تكفلت بإتمام دراسته وإعطائه منحة مالية شهرية  والتي ترك نصفها عند والدته وأخذ النصف الأخر معه مما جعله يكون راضياً عن نفسه و  مطمئنا"على والدته التي كانت تعاني الفقر والعوز   وكانت

8

أخته مريم تبلغ من العمر السبعة عشر ربيعاً وهي تدرس في الشهادة الثانوية

(الباكالوريا) وكانت أمه تزاول مهنة الخياطة والتطريز.

استيقظ فراس من نومه وهو ينظر إلى الساعة بجواره وكانت تشير إلى الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف النهار.

فقام وأسرع بغسل وجهه ونزل إلى المطعم لتناول وجبة الغداء وما إن غادر المطعم حتى شعر بأنه محتاج إلى كوب من الشاي في المقهى.

أخذ معه كوب الشاي وذهب متجهاً إلى الطابق الخامس وبدل أن يدخل غرفته اتجه نحو الشرفة.

هنا كانت المفاجأة حيث وجد الفتاة(موظفة الاستقبال) مستلقية على فراشها وهي معلقة في الهواء وهي تغط في نوم عميق وكانت الأجواء قد هدأت تماماً والشمس قد ظهرت كلياً

جلس على المقعد الطويل ووضع كوب الشاي على يمينه وأخذ يتأمل المنظر مابين الفتاة النائمة وما بين هدوء البحر وامتداده في الأفق وأخر نقطة في البحر التي تشابكت مع لون السماء.

بدأ يتأمل فيها وهي تغط في نوم عميق حيث كانت الباخرة تميل يميناً وشمالا" أثناء إبحارها المستمر والفتاة تتدلى في الشبكة كالشرنقة المعلقة في الهواء و التي إن حان وقت خروجها سوف تكون أجمل فراشة.

انسحب فراس من المشهد ودخل إلى غرفته ليقضي بعضا"من الوقت للراحة قبل العصر. وبعد غفوته استيقظ فوجد أحد الكتب والمراجع التي جلبها معه مستقراً فوق صدره وقام بتنحيته ووضعه على الطاولة بالجوار.

دخل إلى الحمام وقام بالإغتسال والوضوء ليصلي صلاة العصر كعادته، وما إن أتم صلاته بدأ يتساءل عن مدى قدرته الذهنية وكيف سيستوعب اللغة الإنجليزية التي لم يدرسها في السابق حيث كانت معظم دراسته السابقة باللغة الفرنسية.

9

كان البرنامج المعد من قبل الجمعية هو أن يأخذ فراس كورس مكثف للغة الإنجليزية مع إقامة دائمة مع عائلة بريطانية في ليفربول مما تتيح له المخالطة والمحادثة بشكل يومي ومستمر.

لم يستغرق فراس في تفكيره طويلاً وكأنه كان يثق في نفسه وفي قدرته وفطنته على الفهم السريع.

كانت الباخرة (السلام) تستمر في إبحارها دون أي عائق أمامها فلقد بلغت أعالي البحار وهي تشق المحيط الأطلسي بقوة وثبات مسجلة ( 10 عقدة ) بحرية في الساعة في غالب الأحيان منذ انطلاق الإبحار من ميناء الدار البيضاء بالمغرب.

وأثناء نزول فراس إلى الطابق الأول وجد موظفة الإستقبال تقف في الإستعلامات وهي تقوم بتحيته بعد أن قدم أمامها للتحية والسلام.

قالت: كيف الحال ؟

قال: بخير ... الحمد لله .... كيف كان نومك في الشبكة لقد أعجبتني الفكرة؟

قالت: (وهي في استغراب ودهشة منه) كيف عرفت إنني كنت نائمة هناك؟

قال: وجدتك نائمة فلم أستطع إزعاجك وأيقاظك من نومك ..لقد أكتفيت بالتأمل.

قالت: ( وهي لم تعقب على كلامه وكأنها راضية بما شاهده) الليلة سوف ترسي الباخرة في ميناء لشبونة في البرتغال ثم ننطلق بعدها ونكمل المسيرة والإبحار.

قال: ما سبب التوقف؟

قالت: يوجد عدد من الركاب سوف يغادرون الباخرة وهناك عدد اخر سوف يصعدون و يكملون معنا الرحلة إلى ليفربول.

قال: لقد أعجبني منظرك وأنتي معلقة في الشبكة كالعصفور الذي أجهده التعب أتى إلى عشه ليستريح.

قالت: هذا مكاني المفضل عندما يكون الطقس ملائما" ومشمسا.

قال: هذا رائع وجميل . ولكن نسيت أن أسألك عن اسمك؟

قالت: سلمى.

10

قال: اسمك جميل يا صديقتي.

قالت: شكراً يا فراس (فقد عرفت اسمه بعد أن استلمت جواز سفره وتذكرة السفر فقد كان تقريباً العربي الوحيد الذي يسافر وحيداً دون رفاق أو عائلة).كذلك  اسمك جميل يا عزيزي ...... .

قال : أنا أرغب في تناول قهوة . هل أحضر لك شئا" معي من المقهى؟

قالت: شكراً فراس أنا من سوف يقوم باستضافتك هنا ما عليك إلا الجلوس على هذا الصالون وسوف تأتي القهوة إلى هنا فأنت ضيفي الأن.

قال: حسناً سوف أنتظر هنا.

قامت سلمى بالإتصال بالمقهى وطلبت القهوة عدد إثنان واحدة لها والأخرى لفراس. وما هي إلا لحظات حتى جاء عامل الخدمات الذي يحمل بيده سفرة بها كوبان من المياه وفنجانان من القهوة فبمجرد وصوله قالت له سلمى بإشارة  من يدها باتجاه فراس حيث يجلس.

قالت: شكراً يا أحمد يمكنك أن تضعها عند السيد فراس سوف أنتقل إلى هناك وأشرب معه القهوة فقط بعد أن انتهى من عملي الذي بين يدي.

كانت الأجواء في الإستقبال جميلة و بها أصوات موسيقى قامت سلمى بتشغيلها في الصالة لتضفي جواً من الحميمية والرومانسية والإنسجام.

تقدمت سلمى إلى ناحية فراس ثم جلست بالمقعد المقابل له وبداأ في الحوار

وعرف فراس من خلال الحوار أن سلمى تحب الموسيقى والعزف والغناء شرقي وغربي. وإنها تتقن عدة لغات كي تستطيع التعامل مع الجميع وخاصة وأنها باخرة سياحية.

وهما يشربان القهوة عرفت كذلك سلمى قصة فراس وسبب سفره إلى انجلترا لغرض الدراسة وبعض عن مواهبه في الكتابة والشعر.

وكانت الجلسة غاية في الروعة فقد أضافت سلمى روحاً جديدة في رحلة فراس في الباخرة بعد أن كان قد شعر بقليل من الوحدة فيها ....  .

11

وكان الوقت يمضي بينهما دون أن يشعرا بالساعة تمضي فسمعت سلمى صوت الهاتف يرن في المكتب فقامت بالإسراع نحوه لكي تجيب على الهاتف.

كان فراس يراقب حركتها المدهشة فقد كانت رشيقة كالفراشة. ثم قامت برفع السماعة وكانت تتحدث مع الكابتن الذي يعلمها بقرب الوصول إلى ميناء لشبونة.

نظرت إلى الساعة في معصمها وأكملت المكالمة ثم قامت بتشغيل جهاز الإرسال لكي تنبه الركاب الراغبين في النزول في ميناء لشبونة  لذا عليهم الإستعداد لمغادرة الباخرة ( فقد كان أغلبهم من المجموعات السياحية وبعض العائلات المهاجرة التي كانت تقضي الصيف بالمغرب.

ترك فراس المكان حيث قام بتحية سلمى بالإشارة باليد وهو يستعد للصعود لغرفته لصلاة المغرب و التيمضى على  وقتها بعض  الدقائق.

صعد فراس إلى الطابق الخامس عن طريق المصعد وبمجرد وصوله قام بالمرور بشكل سريع على الغرفة وقام بالوضوء والصلاة ثم خرج مسرعاً إلى الشرفة وأصابته  الدهشة مما رأى فلقد كانت الباخرة على وشك الوصول إلى اليابسة وكانت الأجواء رائعة وكان الوقت بعد غروب الشمس مباشرةً.

لقد انتابه شيء من السرور فها هي الباخرة سوف تقف وتستريح لساعات قليلة ولكن سعادته كانت أكبر وهو يقترب من المدينة والميناء حيث ملامح المدينة بدأ ت تظهر رويداً رويداً وكانت الأسوار القديمة بارزة والقلاع والجبال الشاهقة التي تحاكي البحر منذ قدم التاريخ. فهي مدينة عريقة ولها ميناء جميل ورائع وبعض الجسور المعلقة التي بدأ يشاهدها وبعض القلاع الأثرية الجميلة والأضواء التي بدأت تنعكس في الماء مما زادت في المنظر جمال إضافي.

 وما هي إلا لحظات حتى بدأت القاطرات تجر الباخرة (السلام ) نحو الميناء بسلام

لقد شعر فراس بالجوع وتذكر أنه لم يتناول شيء منذ الغداء فأجواء البحر تشعرك بالجوع المستمر. فذهب إلى المطعم وتناول وجبة العشاء ثم عاد إلى الشرفة ليستكمل مراقبة المشهد حتى لا يفوته شيء.

وبدأت الباخرة تطلق أصوات المنبه وهي تعلن عن قرب المغادرة فقد اقتربت الساعة من الثانية عشر ليلاً بعد أن أنهت جميع الإجراءات للمغادرين والراكبين الجدد.

12

دخل فراس غرفته واستلقى على فراشه وبدأ في القراءة من جديد في بعض الكتب التي في حوزته حتى أخذه النعاس ونام نوماً عميقا: لم يستفق منه إلا في الصباح الباكر

وفي اليوم الثالث للرحلة استيقظ فراس وهو يشعر بحيوية ونشاط غير عادي لم يشعر به منذ مدة طويلة.

قام وأغتسل وصلى صلاة الصبح ثم فتح الباب للخروج لتناول وجبة الإفطار وما أن فتح الباب وهم بالخروج وجد سلمى أمامه تسير نحو المصعد في طريقها إلى الإستعلامات.

قال: صباح الخير سلمى.

قالت: صباح الخير فراس كيف حالك اليوم هل تعودت على أجواء الباخرة ؟

قال: أنا اليوم أسعد إنسان يا سلمى.

قالت (في دهشة واستغراب): ما سبب هذا التفاؤل الجميل يا فراس؟

قال: اليوم عيد ميلادي عزيزتي ومن حسن حظي أنك  أول إنسان يقابلني هذا ما جعلني أشعر بسعادة إضافية.

قالت (وهي تبتسم في خجل ): ألف ألف مبروك وعقبال مائة شمعة يا فراس بالصحة والعافية.

قال: شكراً سلمى أنا ذاهب لتناول الإفطار في المطعم.

ركب الإثنان في المصعد ونزل فراس إلى الطابق الثالث وأستأنفت سلمى النزول إلى الدور الأول.

جلست سلمى وهي تفكر كيف تستطيع أن تجعل من اليوم يوماً مميزاً لفراس فأمسكت سماعة الهاتف وطلبت من أحمد أن يأتيها بالفطور لأنها وصلت المكتب الأن.

مرت دقائق بسيطة  أحضر فيها أحمد وجبة الفطور لسلمى في مكتبها كالعادة

ولكن هذه المرة طلبت منه أن يقوم بتجهيز الصالة مع بقية الرفاق اليوم و بعد

13

وجبة العشاء سوف يقام حفل كبير يحضره جميع الركاب وطاقم الباخرة كعادة كل رحلة من رحلات الباخرة السلام يقومون بأحياء إحتفال يشارك فيه جميع الركاب الذين على متن الباخرة.

من ناحية أخرى وفي المطعم وبعد أن انتهى فراس من تناول وجبة الإفطار وقف أمام عامل المطعم وطلب منه قنينة زجاج ذات غطاء محكم من الفلين لشيء في نفسه هو، وما هي إلا لحظات حتى عاد العامل من المكتب المجاور و الخاص بالمتر ( الشخص المسؤول عن الإشراف في الصالة) بهذه القنينة.

استلم منه القنينة ثم شكره على هذه الخدمة وذهب مسرعاً إلى غرفته لكي يكتب رسالة إلى أمه .

أمسك فراس بالقلم والورقة وبدأ يخط رسالته لأمه . كتب فراس:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمي الغالية

تحية طيبة وبعد:

لقد سافرت وابتعدت عنك وعن أختي الصغيرة مريم.

أنا الأن في الطريق إلى بلاد بعيدة وسوف أنشغل عنكم طوال هذه المدة التي سوف أدرس فيها وكم أتمنى أن أحضنك الأن وأقبل جبينك ورأسك الطاهر أيتها الغالية.

كل ما أطلبه منك أن لا تتوقفي عن الدعاء لابنك الوحيد الذي بدأ يتسرب إلى قلبه طعم الوحدة ولون الغربة والضياع وسط هذه المياه التي من حولي والتي تلف المكان بلون السواد والعتمة.

أريد  ألا تتوقفي عن الدعاء لله حتى أتمكن من النجاح والتوفيق في ما خرجت لأجله من طلب للعلم. وأن أكون في حصن منيع ببركة من الله ويبعدني  عن كل المغريات التي سوف تقابلني في الطريق أو أثناء مكوثي في دار ليست داري وعالم أخر ليس عالمي ...أمي ..لقد كتبت لكي اليوم لأني أعلم أنك تتذكرين هذا اليوم بوجه الخصوص إنه عيد ميلادي.

أعلم أنك كنت تبذلين جهدك في سبيل إسعادي وتحضرين لي الكيك والحلوى وتشعلين لي الشموع كي نحتفل نحن الثلاثة كل عام بعيد ميلادي.

14

وتقومين بتجهيز غرفتي بالبالونات وأشرطة الزينة وبعض الألعاب ( توقف فراس عن الكتابة وهو يقول ..يا الله يا الله وبدأت بعض الدموع تنحدر من عينيه الجميلتين وتنزل على الورقة و تبللها دون قصد ودون أن يستطيع أن يتحكم بها فقد أخفت بعض معالم الحروف في الورقة وأفسدت بعض الكلمات.

قام فراس باستكمال الرسالة بعد أن طمأن أمه على أن يرسل لها المال كل شهر وسوف يحاول أن يدخر قدر ما يمكن من المال ويرسله لها هي وأخته الجميلة مريم.

ثم وضع الرسالة في القنينة وأحكم إغلاق الفلينة ثم توجه إلى الخارج ووقف في الشرفة

ثم ألقى بها في البحر ووقف وهو يراقب القنينة التي كانت تسبح على سطح البحر وسرعان ما تباعدت وتراجعت للخلف لان الباخرة (السلام ) كانت تجري وتضرب بالأمواج بقوة.

جلس على نفس المقعد ككل مرة يأتي فيها إلى الشرفة ، ولكن هذه المرة ظل يفكر ويفكر حتى أتاه التعب وأرهقه التفكير ووصل به إلى أن تذكر والده الذي توفي منذ خمس سنوات مضت إثر حادث سير وهو يقود دراجة هوائية على الطريق العام وهو عائد من عمله فدهسته سيارة ومات على إثرها مباشرةً. وكان يوما" حزيناً بقى في ذاكرة فراس منذ ذلك الوقت.

بعد ساعة قضاها فراس وهو جالس في الشرفة قام من مكانه ليتمشى قليلاً في الشرفةالطويلة و تصل إلى مؤخرة الباخرة (السلام ) وأثناء سيره كان يمر ببعض الركاب فيلقي عليهم بالتحية والسلام وهو مبتسم كعادته دائماً في وجه كل من يقابله وعندما وصل مؤخرة السفينة

حاول فراس أن يتجول في كل الطوابق وأن يستغل الفرصة لأن اليوم هو اليوم الأخير له على متن الباخرة.

توجه إلى الجانب الأيسر يقصد مقدمة الباخرة في طابقها الخامس حيث يقيم

وصل إلى المقدمة ووضع يديه على الحاجز وهو يراقب ما تحته من الطوابق طابق تحت طابق ثم رأى بوضوح مقدمة السفينة وهي تسير وتترك موجات صغيرة خلفها على جانبي الباخرة.

15

في المساء و بعد أن تناول فراس وجبة العشاء في المطعم ذهب إلى غرفته ليستريح وينام ففي الغد سوف يصل إلى ميناء ليفربول ولم يعرف بعد شخصية من سيستقبله في الميناء ويرشده على المكان الصحيح.

بدأ فراس يقلب كتاباً بين يديه يحاول القراءة فيه وهو مستلقي على فراشه في غرفته سمع طرقات على الباب فأسرع بالفتح وإذا بها سلمى تقوم بتحيته.

قالت : مساء الخير فراس.

قال: مساء النور سلمى.

قالت: هل أنت نائم  ؟  اعتذر على إزعاجك.

قال: لا لم أنم ولكن كنت أقرأ في بعض الكتب.

قالت: جاء شخص إلى الإستعلامات وترك لك هذه الرسالة.

قال ( في دهشة واستغراب ): شخص ؟

قالت: نعم .. خذ رسالته وسوف تعرفه أكيد.

قال : أنا لا أعرف أحد على متن الباخرة.

قالت: أنت لم ترى الجميع ربما شخصاً رآك وحاول أن يلتقي بك.

قال: ربما ... شكراً سلمى.

قالت: تصبح على خير فراس العفو هذا واجبي ( وهي تبتسم في وجهه)

قال: تصبحين على خير سلمى.

ذهبت سلمى من أمامه وهي تتجه إلى غرفتها ثم أقفل الباب  وعاد إلى سريره كي يرى  مضمون هذه الورقة ومن الذي أرسلها في حيرة من أمره.

بدأ في فتح الورقة ليحاول فك هذا السر الذي أدهشه وفي هذه الساعة المتأخرة من الليل.

بدأ في قراءة المحتوى الذي كتب في الرسالة وهو:

مساء الخير أخي فراس

16

أتمنى أن نلتقي الليلة على تمام الساعة الحادية عشر ليلاً في المسرح أنا في الإنتظار

المخلص: س

أنتهى من قراءة الرسالة ولكن الغموض ظل يلاحقه لأن التوقيع غير كامل فهو حرف واحد ولكن لم يستطع الوصول إليه   ليلحق بالموعد فمازال سوى دقائق فقط تفصله عن الموعد.

ارتدى ما يليق من ملابس وخرج مسرعاً من الغرفة وفي الممر وجد سلمى تنتظر أمام المصعد في انتظار أن يفتح لها أقترب منها

قال : ألم تنامي سلمى بعد؟

قالت: كلا لم يأتني النوم ففكرت أن  أجلس في المقهى قليلاً

قال: هذا رائع خير من الجلوس وحيدة في الغرفة.

قالت: وماذا أخرجك أنت؟

قال : هناك شخص ما ينتظرني في المسرح وأنا لا أعرف مكان المسرح فالموعد قريب جداً

قالت: تعالى معي سوف أوصلك إلى هناك لا تقلق يا صديقي.

وهما في المصعد قامت سلمى بالضغط على زر رقم 4 أي الطابق الرابع ثم فتح الباب خرجت

قالت: هيا أتبعني.

قال : حسناً

قالت: ها هو المسرح إنه بجوار باب المصعد ... تعال إتبعني.

قال : الأضواء في الداخل مطفأة وكأنه لا يوجد بداخله أحد.

قالت: قد تكون ( لم تكمل سلمى كلمتها)

حتى أشتعلت الأنوار كافة وبدأ الحضور بالتصفيق الحار. و كانت المفاجأة بالنسبة......

.


17

لفراس ولكن سلمى لم تتفاجأ باعتبار أنها  هي من أعدت كل شيء لفراس.

بدأت سلمى وبصحبتها فراس بالتقدم عبر ممر ترك خصيصاً لكي يصل إلى خشبة المسرح والمقاعد الأمامية وسط التصفيق الحار لهما، حيث صعد الإثنان على خشبة المسرح وقامت سلمى بتحية الحضور وبدأ الحفل بكلمة بسيطة شكرت فيه سلمى الجميع على تلبية الدعوة المقدمة من الكابتن وباقي أسرة الباخرة (السلام ). كما تمنت أن تكون هذه الرحلة موفقة وقد نالت إعجاب الجميع من حيث الخدمات. كذلك أكدت على أن هذه الليلة هي ليلة مخصصة للاحتفال بعيد ميلاد السيد فراس (هنا قامت برفع يدها وهي تمسك بيد فراس للأعلى ) فقام الجميع بالتصفيق الحار والإعجاب بالفكرة التي تبنتها أسرة الباخرة.

قامت سلمى بدعوة الكابتن الذي كان جالسا" مع رفاقه على  إحدى الطاولات المخصصة لهم كي يقول كلمة ترحيب باسم أسرة الباخرة (السلام).

قام الكابتن بالصعود على المنصة وسط تصفيق من الحضور فقام بأخذ الميكرفون من سلمى وهو يشكرها ويبتسم في وجهها.

قال : بإسمى وإسم جميع أفراد الطاقم أبارك للسيد فراس بالمناسبة التي كانت طالع خير علينا الليلة. وأقول له سنة أخرى من عمرك تبدأ من هنا في السلام ونتمنى أن تنتهي بسلام و أرحب بكم جميعاً على متن هذه الباخرة ( السلام ) وأتمنى أن تكون هذه الرحلة ممتعة للجميع كذلك نتمنى أن يجمعنا الله مرة أخرى في رحلة جديدة بإذن الله وشكراً لكم لأنكم أخترتم ( السلام ) والسلام للجميع وشكراً

وقام بالسلام على فراس.

قال : ألف مبروك فراس.

قال فراس: شكراً سيدي.

قالت سلمى : يمكنك أن تصاحبه معك على نفس الطاولة سيدي.

قال فراس : شكراً سلمى.

قال الكابتن : نعم هذا يزيدنا شرفا" سيد فراس تفضل معي.

قال فراس : شكراً سيدي لقد أخجلتني بهذا الكرم.

18

ونزل الإثنان وهما يمسكان بيديهما معاً إلى أن وصلا الطاولة حيث يجلس بقية الرفاق وكان المقعد المخصص لسلمى قد جلس عليه فراس وكانت سلمى هي المنشطة لهذا الاحتفال الرائع.

قام أحد أعضاء طاقم الباخرة بوضع كرسي بجوار سلمى وهي واقفة على المنصة. ثم أحضر لها القيثارة الخاصة بسلمى. وكانت سلمى تشكر هذا الشخص لما قام به من مساعدة ثم بدأت تغني بعض الأغنيات الجميلة لسيلينا انديون.

وكان أغلب الحضور من المجموعات السياحية الأوروبية  والتي كانت تقضي إجازتها في المغرب وهي في طريق العودة إلى أوروبا.

وبعد منتصف ساعة من الغناء المستمر اقتربت الساعة من  الثانية عشر ليلاً حيث كان موعد إطفاء الشموع من فراس.

 توقفت سلمى عن الغناء تحت تصفيق حار من الجمهور الحاضر للإحتفال. ثم قام بعض الأشخاص من طاقم الباخرة ( السلام ) بوضع طاولة على خشبة المسرح  وفوقها وضع  الكيك المخصص لعيد الميلاد وفوقها بعض الشموع التي قام أحدهم بإشعالها على الفور.

وطلبت سلمى من فراس ومن الكابتن ومن بعض الحضور الصعود إلى خشبة المسرح للمشاركة في إطفاء الشموع.

ثم أطفئت الأنوار بالمسرح كافة وبدأت بعض الأصوات تأتي من خارج المسرح. ويرى الحاضرون انعكاسها على سطح البحر كانت هناك أصوات  لإطلاق بعض الألعاب النارية في الهواء من قمة سطح الباخرة. كذلك استمع الجميع إلى صوت البوق والمنبه الخاص بالباخرة كعلامة لبدء الإحتفال ومشاركة الباخرة في هذه المناسبة و  حتى الأشخاص الذين كان لديهم  عمل في مقصورة الكابتن ولم يحضروا  قاموا بالمشاركة بطريقتهم الخاصة.

كانت المجموعة الملتفة حول الطاولة فراس وسلمى والكابتن وبعض من الحضور ينتظرون إشارة البدء كي يقوموا بمساعدة فراس بإطفاء  الثلاثة والعشرين شمعة ........

قالت سلمى: 3..2..1

أسرع الجميع في إطفائها في نفخة واحدة ثم أشعلت الأنوار في المسرح وسط تصفيق حار من الجميع وبدأ فراس يستقبل  التهاني  وكانت سلمى.

19

أول المهنيئين له بعيد ميلاده الليلة، ثم الكابتن ثم توالت عليه التهاني من الجميع وخاصة الذين كانوا بالجوار حوله لحظة إطفاء الشموع.

ثم بدأت سلمى مع فراس بتقطيع الحلوى وتوزيعها على المجموعة التي شاركت في الإحتفال وإطفاء الشموع وهم على المسرح ثم طلبت من فراس كلمة بالمناسبة. وعندما كان فراس يتأهب لإلقاء كلمته وقف بعض العاملين من المطعم لتقسيم الكيك بالسكين وتوزيعها في أ طباق لجميع الحاضرين في المسرح. فقد كانت الحلوى كبيرة بالإضافة إلى عدة أنواع أخرى  من المرطبات والعصائر التي كانت بالجوار على شكل بوفيه.

أدرك فراس أن هذا العام سوف يكون مميزاً جداً وأن هذه المفاجأة التي قامت بها سلمى فاتحة خير عليه حيث كانت أجمل هدية يتلقاها وهو في أمس الحاجة لمثل هذه الجرعة المعنوية الكبيرة التي قامت بها سلمى .

قال فراس: سوف أتحدث باللغة الفرنسية (وهو يمسك الميكرفون بيد وبالأخرى يمسك بيد سلمى لإلقاء كلمة الشكر وعينيه ملأ بدموع  الفرح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيف ودرع...بقلم الشاعر أكرم كبشة

كادوا للأمة الإسلامية...بقلم الشاعرة تغريد طالب الأشبال

وداعا يا حبيبي....بقلم الشاعر محمد السيد يقطين

احيانا،ودي ما تغيب الذكريات....بقلم الشاعر رضوان منصور

حوار شعري بين حبيبين.. بقلم الشاعر/م.صبري مسعود.

في هذه الحديقة....بقلم الشاعر نورالدين جقار

نثريات.. بقلم الكاتب/محمد حسن البلخي

تحت وطأة الدجى....بقلم الشاعر توفيق عبد الله حسانين

تهمة في مسالك التحقيق...بقلم الشاعرة مريم بوجعدة

يمضي الليل...بقلم الشاعر أبو روان حبش