دنيا الأموات...بقلم الأديب والشاعر علي غالب الترهوني
دنيا الاموات...
___________
أنا و أغلب أطفال جيلي ولدنا أمواتا .كنا نعيش عبر دواميس تحت الارض ولا ندري ما فوقها .اكلت من التراب حتى أنتفخ بطني .ولا أذكر من الوجوه الا وجه امي وجدتي وبعض النسوة جاراتنا في العدم..كبرت وأنا أحيا مع الحلم .مثل اهل الكهف يوم او بعض يوم .ثم صرت أزحف نحو الغيب .كان مدخل الداموس أشبه ما يكون بوكر الافاعي .وحين وصلت هالني ضؤ الشمس .ساطعا .جميلا .يشع على الدنيا بأكملها.وقد وصلتني قدسية المكان .كنت اسمع وانا في الكهف كيف كانت جدتي تستنجد بالولي.كنت أحاول استجماع فكرتني عنه .خالني انه طويل القامة وتكسو وجهه لحية بيضاء ودائم التثائب في الفراغ .وكانت الملائكة تقدم له الطعام دون عناء .كانت صورته أمامي وهو يجلس على أريكة من المخمل الجميل ويفترش كليما أحمر مزدان بالقيطان الازرق .تحيط به نساء كثيرات .نساء جميلات .لم يفوتني المشهد الغريب .كن اشبه مايكن بحوريات الممالك الغابرة اين فرت الغزالة يوم كانت ترضع جدي وهو في الغيب الجديد حين مر عليها رهط الحجيج.تلبس كل واحدة منهن أقمشة الحرير وتتدلى العقود والماجار من أعناقهن .شممت روائح جميلة حين أقتربت احداهن من فوهة الكهف .مدت لي يدها .لكنني ما ازال نائم على الفرش العتيق الذي إبتاعه ابي من تجار الشمال كانوا قد مروا ذات عام من هنا .كنت قد تخلقت في بطن امي وجدتي تقول له دائما كيف ستستقبل فارسك الجديد ومع إلحاحها المستمر اشترى هذا الفرش الخشن.
حين خرجت اول مرة من الكهف .رأيت أشجار الزيتون وهي تحيط بالمكان كأنها أسلاك خضراء مرمية على الارض . تحمل قباب تشبه الكرة الارضية التى رايتها حين دخلت المدرسة . وكنت قد رأيت مثلها في غياهب الكهف .كان إلى الجوار طريق يفصلنا عنه بضعة امتار الطريق تحمية أشجار الصنوبر حتى يغيب عنا .كان هذا مذهب الناس الذين يرتادون مرقد الولي .كان والدي في اللحظة قد اطعم فرسه الحمراء ومضى دوني وهو يعيد أكمامه المتصاعدة وينفض الغبار.حين راني أقف جوار الفوهة افسح عن ذراعيه وقد ردد عبارة لن انساها .اهلا بيك في عالم المتناقضات .
فكرة في كلامه كثيرا .المتناقضات التى ذكرها مرت علي في البرزخ الذي كنت فيه .رأيت ذات مرة ان طيورا غريبة تحمل صور وجوه لنساء يرتدين الاقنعة .كانت الوجوه لا تشبه وجه امي ولا جدتي .ما إن وصلن الارض حتى أبتسمن لي .وقد افزعني حين بحثت عن وجه امي ولم أراه..
امسكني ابي من يدي وصار يشرح لي تفاصيل المكان .لم يعجبني شئ .صعدنا التل وانا جافي القدمين شعرت بلهيب الرمل بشوي راحت قدمي و لم اتوقف أراد ان يحملني على كتفية لكنني رفضت .اصعد وكأنني احمل صخرة كبيرة على كتفي.حين وصلنا قمة التل ووقفنا على المرقد.قال لي هذه قبور اجدادك لا تقلق ستجد ارضا تحتويك .
________________
على غالب الترهوني
بقلمي
تعليقات
إرسال تعليق