عوالم أخرى(6)...بقلم الكاتب والشاعر علي غالب الترهوني


 عوالم أخرى (6)

_____________


الشمس أرتفعت قليلا .بعد نصف ساعة سينتصف النهار .وكل الدروب والمسارب التى تفضي إلى الناحية تبدو خالية تماما .وهؤلاء الذين أبتلعتهم الارض ربما جاؤا لأغراص أخري .قد يبدو لنا أنهم يتتبعون مواطن الجمال .هذه الهبة الالهية التى تميزت بها بنات المنطقة دون غيرها ولكن في الحقيقة قد تكون لهم أغراض أخرى..قرر فجأة أن يرتاد مرتفع سيدي محمود .كان بإمكانه أن يرى الأشياء بدقة أفضل .فيما مضى كان يقف على ذات المكان في إنتظار مجيء والده من المدينة .عندما يلوح له الخيال يقفز في الهواء ثم يركض حتى يصل إلى ضفة النهر .إنحسر الان .لم يعد هناك ماء يجمع حوله الناس .كانوا منذ ساعات الفجر الاولى يدبون بدوابهم .وهم يشقون الوعور حتى يستطيعون ملء جرارهم بالماء العذب.حيث ثمة أربعة عيون تنضح جاهدة في عمق النهر .تصل الناس تباعا يصطفون عبر طوابير طويلة .فيما يتفقون بينهم على تكليف إثنان منهم للاشراف على توزيع الماء .كان أحدهما يقف على الضفة والاخر يقف على النبع الضئيل .كانت الجرار تصدر صوتآ رتيبا .تناغم مع شقشقة العصافير الرابضة على الاغصان المتشابكة فيما بينها..النهر يشق مزرعة كبيرة يوما ما كانت تطعم الأفواه المفتوحة في روما .وخيراتها وخيرات مزارع أخريات تذهب تباعا إلى الشاطيء الرابع في إيطاليا المهزومة .التى رحلت بعد ثورة عامة قادها الشعب بنفسه ..تحدثت الأساطير عن الطوفان الاول حين تقاطع نهر كامبس على بعد عشرة كيلومترات مع نهر سليبس وهما يتجهان نحو الشرق .فإنحسر البرزخ الذي يفصل بينهما فشكل هوة سحيقة بعمق مائة مترا في جوف الأرض.فاضت الحفرة وأمتلئت عن أخرها.عندها بدأ الماء يزحف نحو البيوتات المتلاصقة .أتى الطوفان على العجائز والصبية العاجزين عن المقاومة لهالة الموت . أبدا لم تكن الحياة منعمة على الدوام هناك أشياء تحدث دونما إرادة منا ..

على إثر ذلك وبعد هدوء العاصفة التى خلفت دمارا كبيرا في الأحياء المجاورة .صارت الناس بلا مأوى .نصبت الخيام على إمتداد كامبس من الدخيلة إلى مشارف الخضراء .شيئا فشيئا بدأ النهر ينحسر .وخشيت الناس على الزروع وخشيت ان تموت عطشا .فأقاموا مناحات في كل مكان .حتى قيل أن رجل مسن رأى رؤيا مفادها إذا اردتم إنقاذ أنفسكم قدموا قرابينكم لزاوية المدني .تبرع نفر ببعض الحملان و تم تكليف شاب في الثلاثين من العمر .أخذ يمر على البيوت ويجمع المال إلى ان وصلوآ إلى الحد الذي يريدون .تم بعد منتصف النهار بدأوا في نحر الاضاحي على أعتاب قبور الظوافرية .سرعان ما إكتظت الزاوية بالمريدين .وعند المغيب رسمت الحضرة .وبدأ طرق الدفوف على وقع المديح المقدس .كان الشيخ عبدالسلام المنشد الجميل أشرع في قصيدته التى مطلعها ( القدس تنادي ..هيا يا اسيادي ) .ناخت الرؤوس يمينا وشمالا .وأنتفض المجاذيب الذين أستدعوا أعوان السماء .بعدها هدأت النفس وإنحسر النهر .ولم يبق إلا تلك العيون الأربعة.التى ما تزال تجاهد لتروي ضمأ الاهالي..

وقف عند شجرة الزيتون حيت يفصل بينها وبين النهر مسافة مائة متر ومن بينهما يمر الطريق الرملي الذي يعبر إلى قرى الشمال ..قال في نفسه حتما والدي سوف يمر الان ..!!!


____________________

على غالب الترهوني 

بقلمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقعت أسير هواك...بقلم الشاعر أبو بكر المحجوب

سنين عمري ....بقلم الشاعر عبد المنعم مرعي

عسعسة العيش....بقلم الشاعر راتب كوبايا

قلبي ينبض بحبك...بقلم الشاعر أبوبكر المحجوب

الخمار الأسود.. بقلم الشاعر/منصور عمر اللوح

اِغضب...بقلم الشاعر عبد المنعم مرعي

لست وحدي ...بقلم الشاعر رضا الشايب

منها نستفيد...بقلم الشاعر علي مسلم عجمي

تبرية من شيم العفاف تنجلي....بقلم الشاعر معمر محمد بدوي

مهرك غني....بقلم الشاعر بدر الدين ود الفاشر