التلوث اللغوي في عوالم الأدب والفكر، بين الأثر المدمر والحلول الممكنة...بقلم الصحفي حيدر فليح الشمري
التلوث اللغوي في عوالم الأدب والفكر: بين الأثر المدمر والحلول الممكنة ..
تساؤلات
الصحفي حيدر فليح الشمري
في حقبة الحروف المتكسرة ، نجد الكلمات تتناثر كأوراق خريف تائهة على طرقات مواقع التواصل الاجتماعي ، تلك المنصات التي كان يُفترض أن تكون جسراً للتواصل الفكري والثقافي ، تحولت إلى ساحة تعمّها الفوضى اللغوية ، حيث يضيع المعنى بين زخارف الكلام ، ويتشوه الإبداع تحت ثقل التلوث اللغوي ، إنه عصر يشهد فيه الأدب انحرافاً حيث يُسلب الكتاب والمثقفون ما تميزوا به من عمق الكلمة ودقة التعبير ..
في زحمة السرعة الرقمية ، لم تعد اللغة تتنفس بحرية تحت وطأة السرعة ، والانبهار بالتقنيات الجديدة ، بات الأدب يرزح تحت ضغوط التلوث اللغوي ، حيث تسللت الأخطاء والمصطلحات المستوردة إلى قلب الجملة ، فأصبح النص الأدبي أشبه بلوحة فنية ملطخة ، ألوانها تفتقر إلى التناغم ، إنه مشهد يُحاكي ذبول الوردة وسط حديقة كانت يوماً ما خصبة ..
مظاهر التلوث اللغوي في عالم الأدب ..
تتجلى مظاهر التلوث اللغوي في العالم الأدبي على مواقع التواصل الاجتماعي بعدة صور ، أبرزها الاستخدام المفرط للمصطلحات الدخيلة سواء كانت من اللغات الأجنبية أو اللهجات العامية التي تغلبت على الفصحى ، لم تعد الكتابة الأدبية تُعنى بتنقية العبارة بل باتت تميل إلى الجمع بين كلمات غير منسجمة في محاولة لجذب انتباه القارئ السريع ، وبهذا تفقد اللغة سموّها الذي لطالما كان صانع الهوية الأدبية والفكرية لها ..
كذلك نرى اليوم الكثير من المثقفين والكتاب يعتمدون على اختصار العبارات والتعابير بشكل مفرط حتى تشوهت الجملة الأدبية ، فاللغة لم تعد وسيلة للتعبير العميق بل غدت أشبه بمادة استهلاكية سريعة يتم توزيعها دون أي اعتبار للجماليات أو عمق المعنى ، وإن هذا الاستهلاك المتسارع للكلمات أضعف القيمة الرمزية للنصوص ، وجعل التواصل الفكري هشاً وغير متماسك ..
أسباب انتشار التلوث اللغوي ..
إن الأسباب وراء هذا التدهور اللغوي تعود إلى عدة عوامل اهمها ..
أولا - هناك التأثير السلبي للثقافة الرقمية التي تميل إلى السطحية والاختصار ، ففي عصر السرعة والاختصار أصبحت النصوص الأدبية تُختصر لتتناسب مع حدود منشور أو تغريدة ، وهذا ما أدى إلى إهمال كثير من الكتاب لتجويد اللغة وصقل الكلمات ..
ثانياً - تسهم العولمة في تسلل مصطلحات لغوية من لغات أخرى إلى اللغة العربية الأمر الذي أثر سلباً على نقاء اللغة ، فلا ضير من الانفتاح على الثقافات الأخرى،د ، ولكن حين يصبح استخدام المصطلحات الأجنبية بديلاً للكلمات العربية ، فإنه يؤدي إلى تلوث لغة الأدب ..
ثالثاً - هناك غياب الوعي اللغوي لدى الجيل الجديد من الأدباء والمثقفين ، لقد أصبحت الكتابة في بعض الأحيان مجرد أداة لجذب الإعجابات والمشاركات ، دون اهتمام بالجوانب الجمالية أو الأخلاقية للغة ..
الحلول المتاحة لمواجهة التلوث اللغوي ..
لمواجهة هذا التلوث اللغوي الذي يعصف بالمشهد الأدبي على مواقع التواصل ، لابد من اتخاذ خطوات جدية للحفاظ على هوية اللغة وصون جمالية الكتابة ..
أولاً - يجب أن يكون هناك إحياء للوعي اللغوي من خلال حملات توعية تنظمها المؤسسات الثقافية واللغوية ، بل يجب أن يُدرِك الكتاب والمثقفون أهمية الحفاظ على نقاء اللغة ، وكيف أن قوة الكلمة تكمن في دقتها وجمالها ..
ثانياً - ينبغي تشجيع العودة إلى قراءة الأدب الكلاسيكي والاهتمام بالنصوص التراثية ، لإن الاحتكاك بنصوص كتّاب عظماء كالجاحظ والمتنبي ، أو المعاصرين منهم مثل نجيب محفوظ ومحمود درويش ، من شأنه أن يثري القاموس اللغوي لدى الكتاب ، ويعيدهم إلى أصول الكتابة المتقنة ..
ثالثاً - ينبغي العمل على تقديم محتوى رقمي أدبي راقٍ يكون بديلاً لما يتم تداوله من نصوص مشوهة على منصات التواصل ، ويمكن أن تُخصص بعض الصفحات والمواقع لنشر نصوص أدبية خالية من التلوث اللغوي ، لتكون مرجعاً للمثقفين الجدد ..
رابعاً - يجب أن يكون هناك نوع من الوعي الجماعي يتبناه الأدباء أنفسهم ، من خلال الامتناع عن نشر أي نص إلا بعد مراجعة لغوية دقيقة ، ويجب أن يتمثل الأدباء والكتاب دور الحراس على لغة الضاد ، فهم الأقدر على إعادة الروح إلى النصوص ، ومنح الكلمات أجنحة لتحلق مجدداً في سماء الإبداع ..
كلمة أخيرة ..
إن التلوث اللغوي الذي يعصف بالأدب في عصر مواقع التواصل الاجتماعي ليس إلا انعكاساً لتغيرات سريعة تطرأ على عالمنا ، ولكنه ليس قدراً محتوماً .
بإمكان الأدباء والمثقفين أن يعيدوا للغة بريقها ، وأن يقاوموا هذه الموجة من التشويه إذا ما تضافرت الجهود واتحدت الرؤى ، فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل بل هي هوية وذاكرة ، ومن خلالها يُكتب تاريخ الحضارة الإنسانية ، وهذا ما يُميز الإتحاد الدولي للكتاب العرب ، حيث يلتزم بتلك المعايير التي تجعل المثقفين والأدباء والشعراء والكتًاب في تواصل دائم معه ، باعتباره من أثرى المنصات التي تحاول الحفاظ على جمال لغتنا العربية الفصحى لغة الضاد ..
الصحافي حيدر فليح الشمري
تعليقات
إرسال تعليق