الصورة ....بقلم الكاتب سليمان دغش


 الصــــورة / سليمان دغش

ثَمَّةَ صورَةٌ على حائِطِ غُرفَتي الكَئيبِ، لمْ تُفارِقِ الجِدارَ

 لحظَةً ولمْ تُفارِقني، أراها في الصَّباحِ كلّما استيقَظتُ

 منْ نومي، وعندَما أدخُلُ تَختي مُتْعَباً أطبِقُ جَفنَيَّ 

عليها ثمَّ أغفو بعدَ أنْ تَرَكتُها ساهِرَةً على الجدارِ وَحدَها، 

هَلْ تَتعَبُ الصّورَةُ مِثلَنا فتَغفو؟ أم تراها في سباتِ الكَهْف

 لا تَصحو مِنَ النَومِ ولو بَدَتْ لنا صاحِيَةً، أو شُبِّهَتْ لنا 

لطالَما رأيتُ بالأسودِ والأبيَضِ فيها حُزنَ طِفلٍ 

جاءَ للدنيا حديثاً شاحِبَ الوَجهِ حزيناً 

نائباً عَن ذاتِهِ الأولى، على جَفنَيهِ ظلٌّ لانكِسارٍ مثقَلٍ بالذِّكرياتِ، 

كمْ تساءَلتُ، لماذا كلُّ هذا الحُزنِ 

في عينَيهِ، لم يَزَلْ طفلاً صغيراً وَبَريئاً كَمَلاكٍ

 فلماذا يولَدُ الطِّفلُ كئيباً؟ ربَّما يحمِلُ من ماضيهِ 

بَعضاً منْ مُعاناتِهِ في دَوْرٍ مَضى، أو أنَّهُ ما زالَ 

مسكوناً بما مَرَّ عَليهِ قَلِقاً منْ عودَةِ الماضي إلى 

حاضِرِهِ الآنِيِّ، لا رغبةَ عندَهُ لتكرارِ السناريو

 مرّةً أخرى، فكيفَ َيَهربُ الآنَ مِنَ الحاضِرِ،

 هلْ يعودُ للماضي بنسخَةٍ جديدَةٍ لرُبّما تكونُ مثلَها

 أو رُبَّما أشدَّ قسوَةً 


هيَ الحياةُ أطوَلُ اختِبارٍ بَشَريٍّ قَدْ بَدَأناه بِ كُنْ 

هلْ أحَدٌ يَعلَمُ منَا كَيْفَ نَجتازُهُ أو يَجتازُنا؟ 

مَتى وأينَ، كَيفَ، لا نَدري، إذاً كَيفَ لنا إدراكَ 

سِرِّ الكَونِ واللغزِ العَظيمِ طالما نَجهَلُ أنَّ الله

 أخفى في المَجازِ السِّحرَ والسِّرَّ ومِفتاحَ الهُدَى والهَدْيِ 

والادراكِ بالعَقلِ الصَّفِيِّ، كَيْفَ لمْ نُدرِكْ بأنَّ الأصلَ 

في الأَبْيَضِ والأَسْوَدِ واحِدٌ 

وأنَّ الليلَ لا يُلغي النَّهارَ أو يُغَيِّرَ المَواقيتَ، كلاهُما 

ضَرورِيٌّ لِتُكمِلَ الحَياةُ دَورَةً أُخرى وأخرى في توازُنِ النقائضِ 

الحَتْمِيِّ، حتى عودَةِ الفَرْعِيِّ للأصلِيِّ 

في تَكَوُّرِ الوجودِ حولَ نُقْطَةِ البيكارِ في دائِرَةِ الكَونِ

لِبَدْءِ دَوْرِ كَشفٍ آخَرٍ لا رَيْبَ فيهِ رُبَّما كانَ قَريبْ   


كَبِرتُ والصورةُ لم تَكبُر معي يا ليتَني كُنتُ 

أنا الصورةَ كي أبقى صَغيراً وبريئاً فلماذا يا إلهي 

نَكبُرُ نحنُ بينَما لا تَكبُرُ الصّورَةُ مِثلَنا ولا حتّى تَموتُ 

ربّما لتَحفَظَ الذِّكرى وكلَّ الذِّكرياتِ في المكانِ والزَّمانِ 

خِشيَةً مِنْ أنْ تَموتَ الذاكِرةْ

لمْ تَزَلِ الصورَةُ في مكانِها على جِدارِ غُرفَتي 

ولمْ أزَلْ أرْقُبُها كلَّ صباحٍ حينَما أفيقُ منْ نومي

 وكُلَّ ليلةٍ أطبِقُ جَفْنَيَّ عَليها ثُمَّ أغفو وأنام 

ذاتَ يَومٍ ماطِرٍ وعاصِفٍ خَلَّعَتِ الرّياحُ شباكي العَتيقَ 

أسقَطتْ عَنْ حائِطِي صورَةَ ذاكَ الطِّفلِ أمسكت بها

 وقدْ تهشَّمَ الزُّجاجُ في إطارِها ذَرَفتُ دَمعَةً 

بَللتِ الصورَةَ ما بَينَ يَدَيَّ يومَها فقط سألتُ أمي

 لِمَنِ الصورَةُ قالتْ لَكَ أنتَ يا حبيبي 

وَبَكَـــــتْ 


(سليمان دغَش-فلسطين)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيف ودرع...بقلم الشاعر أكرم كبشة

كادوا للأمة الإسلامية...بقلم الشاعرة تغريد طالب الأشبال

وداعا يا حبيبي....بقلم الشاعر محمد السيد يقطين

احيانا،ودي ما تغيب الذكريات....بقلم الشاعر رضوان منصور

حوار شعري بين حبيبين.. بقلم الشاعر/م.صبري مسعود.

في هذه الحديقة....بقلم الشاعر نورالدين جقار

نثريات.. بقلم الكاتب/محمد حسن البلخي

تحت وطأة الدجى....بقلم الشاعر توفيق عبد الله حسانين

تهمة في مسالك التحقيق...بقلم الشاعرة مريم بوجعدة

يمضي الليل...بقلم الشاعر أبو روان حبش