مشاوير 94...بقلم الأديب والشاعر علي غالب الترهوني


 مشاوير 94……

——————

لا أدري لكن الليل مضى بسرعة البرق .كل شيء هادئ ومريح .الطبيعة نفسها كأنها في محراب الله تبتهل في صمت وخشوع .لحظات وارتفع الاذان في مسجد راس العيد .كان الصوت رخيم والنبرات ورعة ولحظات الدعاء طأطأ العباد رؤوسهم إلي الارض .الدراويش يلتفون حول حوض الماء يتمتمون بلا توقف كأنهم أدوا صلاتهم كاملة .فيما احاطت أسراب الطيور من حولهم مشهد يفتقر له أهل المدينة كل ما كان يدور من حولهم حوائط ومباني شاهقة حتى أنني اشفقت عليهم من غضب الله .يمر الليل على صدورهم ثقيلا لارحمة فيه .

أستيقظ الحاج مبروك مبتسما بعد ان القى تحية الصباح قال .الحق يقال لم أشعر بالراحة منذ ان غادرت الضاحية وانا طفل في العاشرة من عمري .دعاه والدي لتناول الافطار وشرب الشاي الاخضر بنكهة الزعتر .

ألتفت إلي ثم قال .عبدالفتاح هيا أخبرني عن رؤاك في المدينة هل كانت طيبة كما كنت تأمل.وصار يضحك ..

قلت بكل ثقة ..المدينة كما صورتها كتب المطالعة مكان للرفاهية يزحف الماء المالح على دورها فيشعر الانسان انه مجرد قطعة لحمة كادت ان تتعفن .الاصوات الغريبة والناس الغرباء خليط لا يمكن تفصيله بالشكل المريح .حتى المدرسة التي درسنا فيها كلما قطعنا الطريق اقرا ربع القران كي لا اصاب بمكروه .لا احد يراعي مسألة الطفولة كونها مخلوقات عاجزة قد تفقد حياتها في آي لحظة أمام سيل العربات المندفع بلا لجام خصوصا حين تطلق الشارات الضوئية زفيرها تمضي متلاحقة وكأنها في سباق مع الزمن .

والدي كان يدخن بشراهة وهو يستمع الي .أظن انه معجب بكلامي لكن الحاج مبروك أراد تذكيري بان الريف سلبياته أقوي بكثير حين قال .للمدينة أشياء تحسب لها .الريف هنا يدفع ثمن استقراره بأن الناس تدس الدسائس لبعضها في الخفاء وانت نفسك كنت ضحية من ضحاياه هل تذكر ؟

أذكر طبعا واعترف انني لازلت على قناعة بأنني أعيش في جوف ثعبان كما قالت العرافة ذات يوم .وانا سعيد رغم كل شيء لانني اعتبر نفسي محل أنظار المحيطين بي خصوصا وهم يستقرأون المستقبل ويعرفون اي مستقبل ينتظرني .

تجربة المرض المرتبط بالسحر والشعوذة طقوس تفتح امامك طريق اخر كان مجرد نفق مظلم يدخله الظالين فقط اما انتم او ربما أعني سكان المدينة .يعانون سحر اكثر بشاعة مما نحن فيه .السحر الذي يتفشى عندكم يبعدكم كل يوم عن الارض التي تمشون عليها في تناولكم لكل ما هو مستورد غريب .عيونكم دائما علي البحر و ما تجلبه بواخر الغرب والغريب كلنا ندفع ثمن السحر ونحن على علم بذلك .اما السحر الذي هنا فهو مجرد سلعة رخيصة يمكن نزعها من الذاكرة ولا اسواق عندنا تبيعنا اياها .

هيا بنا لترى السحر الذي غفلت عنه منذ ان غادرت بلاد السحرة والعشاق والمحتالين فقد رمت بهم السنين بين احضان الازقة والحواري النائية..

——————————

على غالب الترهوني 

بقلمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيف ودرع...بقلم الشاعر أكرم كبشة

كادوا للأمة الإسلامية...بقلم الشاعرة تغريد طالب الأشبال

وداعا يا حبيبي....بقلم الشاعر محمد السيد يقطين

احيانا،ودي ما تغيب الذكريات....بقلم الشاعر رضوان منصور

حوار شعري بين حبيبين.. بقلم الشاعر/م.صبري مسعود.

في هذه الحديقة....بقلم الشاعر نورالدين جقار

نثريات.. بقلم الكاتب/محمد حسن البلخي

تحت وطأة الدجى....بقلم الشاعر توفيق عبد الله حسانين

تهمة في مسالك التحقيق...بقلم الشاعرة مريم بوجعدة

يمضي الليل...بقلم الشاعر أبو روان حبش