بين العقم البطني والعلم العقلي.. بقلم الكاتب/د. عمر لشكر

 بين العقم البطني والعلم العقلي !


ينظر إلى العقم البطني الإنجابي عندنا على أنه لعنة وجودية ، وكارثة عضوية واجتماعية ، ومصيبه إنسانية يجب معالجتها بكل الطرق الممكنة ، الطبية منها والشعبية وحتى السحرية ، وتنفق لأجل ذلك أموال كثيرة ، وتصرف فيه أوقات طويلة ، وتبذل فيه جهود مضنية .

 إن غريزة الأمومة والأبوة تدفع الناس لفعل المستحيل لأجل الإنجاب ، زيادة على ضغط المجتمع الذي لا يزال يقوم الناس بقدرتهم على إنجاب أكبر عدد ممكن من الأولاد ... 

لكن هناك نوعا آخر من العقم لا يكاد ينتبه له إلا القليلون من الناس ، إنه العقم العقلي الذي يعتبر أشد أنواع العقم خطرا على تطور الإنسان ، ونهضته ، ووجوده .

 فالعقم العقلي منتشر في مجتمعنا بشكل مهول ، مقلق ، وباءي ، ومع ذلك لا توجد برامج حكومية ولا غير حكومية للقضاء عليه بطرق فعالة ومناسبة ، بل لا يوجد حتى الوعي بوجوده ، فهو يقتل فينا ونحن راضون وصامتون كأن الأمر هين أو لا يعنينا . كل ما يهم الناس في حياتهم هو الإنجاب الطبيعي داخل وخارج مؤسسة الزواج الشرعي ، وتكثير " سواد الأمة " بغثاء كغثاء السيل لا نغع فيه ، فامتلأت الشوارع والأسواق والساحات والسجون وكل مكان بالمنتوجات السخية للإنجاب الطبيعي ، ولا بأس إن تعطل العقل ، أو جمد ، أو عقم وعجز عن أداء دوره في إنجاب الأفكار ، وإبداع النظريات ، وخلق الحلول ، واكتشاف المجهول ، وتطوير الموجود ، وتسهيل الصعب ، وتبسيط المعقد ، وتحليل المركب ...

فلو كانت عقولنا تنجب بقدر ما تنجب البطون لكان واقعنا مماثلا لواقع الصين في ضبط التوازن بين ما تنجبه البطون وما تنجبه العقول ، لكن هيهات ونحن ما زلنا نحتقر العقل وما ينجبه من أفكار ،ونقدس البطن وما ينجله من أولاد ولو بلا عقل فعال ...

إن العقم الذي فتك بالمجتمعات العربية هو العقم العقلي ، وتركها تدور حول البطن في نظام فلكي ثابت لا تكاد تخرج عن المسار ...

وإذا أردنا تجنب العقم العقلي واضمحلال التفكير ، فينبغي الاهتمام بالمعالجات الفورية ، العلمية والفلسفية والفنية والتربوية والاجتماعية ، فلو نقصنا في الإنجاب البطني لمصلحة الإنجاب العقلي لكان خيرا للأمة من كثرة " السواد " بلا أية منفعة حالية أو متوقعة ...

الدكتور عمر لشكر

يونيو ٢٠٢٢ .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيف ودرع...بقلم الشاعر أكرم كبشة

كادوا للأمة الإسلامية...بقلم الشاعرة تغريد طالب الأشبال

وداعا يا حبيبي....بقلم الشاعر محمد السيد يقطين

احيانا،ودي ما تغيب الذكريات....بقلم الشاعر رضوان منصور

حوار شعري بين حبيبين.. بقلم الشاعر/م.صبري مسعود.

في هذه الحديقة....بقلم الشاعر نورالدين جقار

نثريات.. بقلم الكاتب/محمد حسن البلخي

تحت وطأة الدجى....بقلم الشاعر توفيق عبد الله حسانين

تهمة في مسالك التحقيق...بقلم الشاعرة مريم بوجعدة

يمضي الليل...بقلم الشاعر أبو روان حبش