رسالة عائد من الموت...بقلم الأديب/حسين حطاب

 *من_رسائلي 

...........رسالة عائد من الموت

...بالأمس كنا ننظر للحياة نظرة المحب المتفائل ننعم بالسعادة والهناء نتزاور ونمرح نقضي حوائجنا وأفراد أسرنا وقت ما نشاء حيث المحلات مفتوحة والشوارع تزخر بالمارة والكل في موقعه يؤدي ما أسند إليه 

...كنا في آخر كل أسبوع نتنفس في ملاعب كرة القدم ، وقاعات المسرح الأدب والشعر مفتوحة على مصارعها ونتنزه في الحدائق.

...تلك الحياة هدية ننعم فيها بالفرح والسرور ،كان فيها الصباح يقبل علينا باشراقه وبسمته الجميلة والليل يأتي بهدوئه و وقاره ويعقبه النهار باسطا الضياء ناثرا شعاعه على شرفات المنازل نستنشق هواءه غبطة وسرورا في المروج الخضراء  والغابات السهول والشواطئ نشم عبق الزهور حيثما ذهبنا .... في أرض هذا الكون كنا نستثمر من عطائها من زهرها المبارك من وردها المتفتح من نسيمها العليل من روض جنانها من نور القمر وأشعة الشمس من مائها العذب من كل خيراتها المعطاءة ، و حولناها الى رصيد لا ينتهي للمساعدة والعون على الاستمرارية حتى لا تحاصرنا الهموم بأحزانها والغموم بجحافلها والنواغص بكدر العيش واليأس بحواجزه وحتى نعيش بهدوء وسلامة من هذا النعيم .

...كنا نحيا بأمان من الطيب الجميل والخير النافع والتمتع المفيد ، وأمام أعيننا باقات الورود والياسمين وأغمار الزرع والسنابل وعمائم الريحان وضياء القمر وزينة السماء من النجوم ونسمع الصوت الحسن وطرب العندليب وما جادت به الطيور من أنغام جميلة .

... كنا ننعم بالثمار الناضجة والفواكه اللذيذة واللحوم المتنوعة تشهي النفس  قبل البطن ، وأنواع الشراب المختلفة المباح منه بحلاوة متعددة ومذاق متنوع والشعور بالارتياح العميق ، والخلو من الألم مدركين الملائم من حيث أنه ملائم ومشتهي ، والسعي وراء ما يمتعنا في الحياة لأجل صحتنا وعافيتنا وكبرنا ، يعني الأشياء التي يجد بها المرء البهجة والسرور أو الشيء الذي يحدث فيه إحساسا أو شعورا  معجبا وبخاصة الحسية الوجدانية منها .

...وما عرفنا التشاؤم محبطين منقبضين بحيث كنا لا نرى من ابر الشوك الا الورد وعبقه ومن لفح حرارة الشمس الا فائدتها ونفعها ومن ظلمة الليل الا وقاره وهدوءه ومن مشقة الطريق إلا أعمالنا ونفعنا ومن صعوبة التضاريس الا رزقنا وعيشنا ومن صعوبة قمم الجبال الا راحتنا وامتاعنا .

...كنا نعيش الصباح أملين الخير ببزوغ شمسه فتملكنا هيبته ونحيا مساءه متفائلين بغروب شمسه فتحفنا عظمته أما هيبة الليل ننتظر قدومها بفارغ الصبر لنأنس بزينة النجوم و ضياء القمر فتعم السكينة النفوس وتمتلئ القلوب طمأنينة ، الجمال والاتساع الأفق والسماء رباعية هرمون الساعدة تزيل عناءنا وتعبنا من أعمال النهار الشاقة ، فما أحلى الحقول الخضراء وما أجمل البساتين وما أروع الصحراء الواسعة المزينة برمالها و واحتها وقصص أوائلها وروائع شعرائها وماأمتع السماء الزرقاء والبحار مستقبلة زوارها على كفوف شواطئها .

قصة أيامنا كانت من الروح الصادقة وليالينا نحياها بنفس راضية إن حياتنا كانت مهرجانا مثيرا عجيبا وقد لونت بألوان الحياء وكتبت بحروف السعادة ورسمت بأسطر الهناء ومن يقرأها يجد بها الروائع والعجاب وحسن الابداع.

...و أما اليوم 

عم الخوف القلوب وانتشر الهلع زاحفا من منطقة الى أخرى معشعشا في الصدور والمحلات بائسة خالية من الزبائن والأسعار ملتهبة تنزف الجيوب بلا رحمة فهل الألم قدرا محتوما ام نحن من هيأنا له الجو المناسب ، إنها المظاهر الحزينة المنتشرة في المعمورة كل المدن القرى والأرياف تحولت الى أشباح خالية من كرم الأمس هكذا بدت الحياة فيها وأصبح حالها منغضا للذات ، شاحبة المحيا ، كثيرة الانزعاج وحتى سبل التمدن والتحضر توقفت ممزوجة بالنكد والكدر مختلطة باليأس والبؤس ونحن منها يقتلنا الغبن يشنقنا الاحباط.

...لن نجد انسانا مرتاحا متفائلا ولن نرى الا الوجوه العابسة لشدة الحزن ، والألسن الصامتة العاجزة عن التكلم من شدة الغيظ واذا تكلم يتحدث بصوت خافت مقهور تظهر على نبراته الارتعاد والارتعاش مستشعرا بالخوف يرثي حاله بنفسه في تشك وتوجع من  قلق مضمر في القلب ، ولن تجد بيتا أو منزلا أو وظيفة أو ورشة إلا و فيه ما يعكره مصحوبا بالمقت والاشمئزاز.

... قد ساء الحال وتجعدت البشرة وتقشر الجلد وتضاعف حر الكدر وتناقص صفاء الهناء وأصبح الواحد منا جامعا بين الضدين ، الصفاء والكدر ، الفرح والحزن ، اليسر والعسر ، التفاؤل والتشاؤم ثم يعود سابحا في ذهنه الى ما قبل  ظهور الشبح المليء بالصفاء والفرح واليسر والتفاؤل فيهنأ ويرتاح ويعيش حينها لحظات المتعة ، ويضم أثقال الكدر والحزن والعسر والتشاؤم في أيام ظهور الشبح اللعين الذي أوقف الحياة كلها فيعبس ويتذمر ويحيا حياة البؤساء .

...فهل يمكن أن تعيش واقعا مفروضا من جهات مجهولة فيه تقيد حريتك عنوة أم تسرح مع الخيال وسط الحقيقة المطموسة أم تحلق في عالم مبهم أو تقبل على واقع ليس كما تريد بل كما أرادوه أن يكون؟

...هل يمكن أن تطوع نفسك لمسايرة الحدث ومواكبة الشبح الذي تغلغل بين  شعوب المعمرة منذ 2019 ، انه الواقع المشؤوم المحتوم وفيه لن تجد الهناء والأنس ولا يصفو لك بالا مادام الشبح بإيلام الغير سعيدا وبرؤيته يتألم أسعد ،لأن الواقع المحتوم ليس من شأنه ولا من مظاهره تركك تنعم بالسلام .

...إن السير في مناكب الأرض يشرح الصدر ويبعثر سحب هواجس الغم والهم والسفر في أجوائها تأمل ما بين أيدينا وما أمامنا وخلفنا وما يحيط بنا ويظهر لنا أيضا الحدائق الغناءة والبساتين البديعة والرياض الأنيقة .

... اليوم أصبح كل واحد منا منزويا في عالمه الافتراضي داخل غرفته بين الجدران الاسمنتية يعيش الفراغ القاتل بل الموت البطيء وما هو الا مسلك يترتب عنه الاحباط ، وليس المكان الضيق الذي نقبع فيه هو الدنيا وليس أنت البشرية  ، 

... نرى أننا مكبلون بالاستسلام  راضون بالواقع مقيدون بالأصفاد أمام جحافل الألم ولذة الشبح

..ولما تجد من يمنع ترحالك ، يلغم مسارك ، ويحرمك المتعة ، ويصد خطواتك ، ويقيد حريتك ، فماذا أنت فاعل ؟

..أين الآن نحن من قمم الجبال ومتعة جريان الوديان ورائحة أغصان الريحان والياسمين وحرية الروح الطليقة كالطائر المترنم يشدو لحنا عذبا فرحا وسرورا ؟

...فمتى نتأهب لنسبح في فضاء السعادة والى متى والغطاء الأسود يحف العيون ؟ ومتى نسير في الفجاج الواسعة لنقرأ من جديد كتاب الكون المفتوح و نشاهد آيات الجمال على صفحاته المشتاقة لبآبئنا 

... نريد اشراقة الوجوه تنبعث بهدوء من ثنايا فجر قريب محملة بالفرج ، تعبنا منازلة الألم في صمت رهيب وتحدي المصائب فمتى يكون الفتح المبين ويطل علينا عصر النصير المنير ؟ 

... أما الغد فهو مجهول نتركه للجيل القادم  أمانة ربما يكون فيه عهد النهوض.

✍️بقلمي_حسين_حطاب

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_94.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_37.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_56.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_21.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_96.html


https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_41.html


https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_46.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_69.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_92.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_86.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_12.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_98.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_52.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_63.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_14.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_99.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_85.html

https://alhzarhotmail.blogspot.com/2021/09/blog-post_5.html

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقعت أسير هواك...بقلم الشاعر أبو بكر المحجوب

سنين عمري ....بقلم الشاعر عبد المنعم مرعي

عسعسة العيش....بقلم الشاعر راتب كوبايا

قلبي ينبض بحبك...بقلم الشاعر أبوبكر المحجوب

الخمار الأسود.. بقلم الشاعر/منصور عمر اللوح

اِغضب...بقلم الشاعر عبد المنعم مرعي

لست وحدي ...بقلم الشاعر رضا الشايب

منها نستفيد...بقلم الشاعر علي مسلم عجمي

تبرية من شيم العفاف تنجلي....بقلم الشاعر معمر محمد بدوي

مهرك غني....بقلم الشاعر بدر الدين ود الفاشر