اضواء على خطبة الجمعة....بقلم الكاتب الباحث والناقد د.حسين نصرالدين علي إبراهيم
أضواءٌعلى خطبةالجُمعة: بإيجازٍ على الرغم من أهمية ِ وثراءِ الموضوع :
خُطبة الجمعةالمُوافق الخَامِسُ منْ يناير 2024 بمسجدِ دعوة الحق برأسِ البر، اعتلى المنبر الشيخُ/حَمْدِي شطَا،بارك الله فيه،وعنوان الخُطبة(إِيَاكُمْ ومُحقِرَات ِ الذُنُوبِ) : النصوصُ من مصادِرِها الطبيعية القرآن الكريم والسُنة النبوية المُكرمة ، والصياغة بقلم : حُسَيْن نصر الدين :
مُقدمةٌ : استهل الشيخ الكريم خطبته بالحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، أما بعد : إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدُجى ومن تبعهم واقتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين ،وقال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّاوَأَنتُم مُسلمون) 102من سورة آلِ عمران،وقال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْئٌ عَظِيمٌ)الآية 1 من الحج .
(إِيَاكُمْ ومُحَقِرَات الذنوبِ) :
فقد روى الإمام أحمد عن سهل بن سعدرضي الله عنه قال:قال رسول اللهﷺ:(إياكم ومُحقِرات الذنوبِ، فإنما مثل محقراتِ الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) ، قال الحافظ في الفتح: سنده حسن ونحوه عند أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود وعند النسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي ﷺ قال لها:(يا عائشة إياك ومُحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً)، وصححه ابن حبان. ومُحقرات الذنوب هي ما لا يُبالِي المرءُ به من الذنوب كما صححه وشرحه ابن ماجه وقال: مُحقرات الذنوب أي صغارها، لأنَ صغارَها أسبابٌ تُؤدي إلى ارتكابِ كبارِهَا ،قال الغزالي :صغائر المعاصِي يجُر بعضُها إلى بعض ٍ حتى تفوتَ أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(خرَجْنا معَ رسولِ ﷺ اللهِ يومَ خَيبرَ،فلم نَغنَمْ ذهبًا ولا فِضةً، إلا الأموالَ والثيابَ والمَتاعَ،فأهدَى رجلٌ من بني الضَّبيبِ يُقالُ له رِفاعَةُ بنُ زيدٍ لرسولِ اللهِﷺ غلامًا يُقالُ له مِدعَمٌ،فوَجَّه رسولُ اللهِ ﷺ إلى وادي القُرَى ،حتى إذا كان بوادي القُرَى، بينما مِدعَمٌ يَحُطُّ رَحلًا لرسولِ اللهِ ﷺ إذا سهمٌ عائِرٌ فقَتَلَه، فقال الناسُ: هَنيئًا له الجنةُ، فقال رسولُ اللهِ :(كلَّا، والذي نفْسي بيدِه، إن الشملةَ التي أخَذها يومَ خَيْبرَ من المَغَانمِ، لمْ تُصِبْها المَقاسِمُ، لَتَشتَعِلُ عليه نارًا). فلما سَمِعَ ذلك الناسُ جاء رجلٌ بشِراكٍ أو شِراكَيْن إلى النبيّ ﷺ، فقال: (شِراكٌ من نارٍ، أو شِراكانِ من نارٍ)،فهل كان يخطر ببال هذا الغلام أن هذه الشملة ستشتعلُ عليْه ناراً ؟ إنه رداءٌ صغيرٌ ولعلَّه لا يُسَاوِي عشرةَ دراهم، وبالرغم من ذلك قال الرسول:(لَتَشتَعِلُ عليه نارًا).إنَّ المُؤمنَ الصَّادقَ يخَافُ ذُنُوبَه، سواءً كانَ هذا الذنبُ صغيرًا أو كبيرًا، وأما الكافرُ والفاجرُ فهو يعصِي الله تعالى ليلًا ونهارًا ولا يُبالي بذُنُوبِه، وهذا حالُ كثيرٍ من أهلِ زماننا، وعن أنس رضي الله عنه قال: (إنكم لتعمَلون أعمالًا، هي أدقُّ في أعيُنِكم من الشَّعرِ، إنْ كنَّا لنعُدُّها على عهدِ النبيِّﷺ من المُوبقاتِ)،أيْ المُهلكاتِ .
ما هي مُحقَّراتِ الذنوب :
مُحقراتُ الذنوبِ تحتملُ معانٍ :الأولُ :ما يفعلُه العبدُ من الذنوبِ، مُتوهِّما أنه من صغارِها، وهو من كبار الذنوب عند الله تعالى . والثاني : ما يفعلُه العبدُ من صغائرِ الذنوبِ، دون مُبالاةٍ بها،ولا توبةٍ منها،فتجتَمعُ عليه هذه الصغائرُحتى تُهلِكَهُ،والثالث:ما يفعلُه العبدُ منها ولا يُبالِي بها، فتكونُ سببًا لوقوعِه في الكبائرِ المُهلِكَة .
تحذيرُ النبيِّ ﷺ من مُحقَّرات الذنوب : قال بعض أهل العلم: إنَّ معنى قوله ﷺ :(فإنَّ لها من الله طالبًا) أي: مَلَكًا مكَلَّفًا يطلبُها فيكتُبها، وهذا يدلُّ على أنها عظيمةٌ عند الله تعالى .
وأنَّ المعنى أنَّ الله تعالى قد وكَلَ ملائكةً لكتابةِ أعمالِ العبادِ، وهم يكتُبون أعمالَ العبدِ كلَّها صغيرَها وكبيرَها، لا كما قد يتوهَّمُ بعضُ الناس أن مُحقَّراتِ الذنوبِ لا تُكتَب .
وروي عن سعد بن جُنَادةَ رضي الله عنه قال: لمَّا فرغَ رسولُ الله ﷺ من حُنيْن، نزلنا قَفْرًا من الأرضِ، ليس فيه شيئٌ فقال النبي ﷺ:(اجمَعوا، من وجدَ عُودًا فليأتِ به، ومن وجدَ عظْمًا أو شيئًا فليأتِ به)، قال:فمَا كان إلا ساعةً حتى جعلنَاه رُكامًا،فقال النبي ﷺ :(أتَرَوْنَ هذا، فكذلك تجتَمِعُ الذنوبُ على الرجلِ منكم كما جمعْتُم هذا، فليتَّقِ الله رجلٌ؛ فلا يُذنِبُ صغيرةً ولا كبيرةً، فإنها مُحْصَاةٌ عليه)،وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(مثَلُ مُحقَّرات الذنُوبِ كمثَلِ قومٍ سَفْرٍ نزلوا بأرضِ قَفْرْ معهم طعامٌ لا يُصلِحُهم إلا النارُ، فتفرَّقوا فجعلَ هذا يجيئُ بالرَّوْثة، ويجيئُ هذا بالعظْم، ويجيئُ هذا بالعُودِ، حتى جمعوا من ذلك ما أصلَحوا به طَعامَهم،فكذلك صاحبُ المُحقَّراتِ،يكذبُ الكَذْبة،ويذنبُ الذَّنبَ ويَجمُعُ من ذلك ما لعلَّه أن يَكبَّه اللهُ به على وجههِ في نارِ جهنَّمَ)،وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال:(إنَّ الشيطانَ قد أيسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم هذه،ولكنَّه قد رَضِيَ منكم بما تَحقِرون) .
خلِّ الذنوبَ حقيرَها .. وكثيرَها فهو التُّقَى ..
كُنْ مثلَ ماش ٍ فوقَ أرضِ الشَّوكِ يحذَرُ مَا يرَى ..
لا تحقِرَنَّ صغيرةً .. إنَّ الجبالَ من الحصَى ..
وقال أحدُ التابعين رحمه الله :(مثَلُ الذي يجتنِبُ الكبائرَ ويقَعُ في المُحقَّرات كرجلٍ لقَاه سبعٌ فاتَّقاه حتى نجَا منه، ثم لقِيَه فحْلُ إبلٍ فاتَّقاه فنجَا منه، فلدَغتْه نملةٌ فأوجعَتْه، ثم أخرى، ثم أخرى،حتى اجتمعْنَ عليه فصَرَعْنَه،وكذلك الذي يجتنبُ الكبائرَ ويقَعُ في المُحقَّرات إنَّ الذنوبَ صغيرَها وكبيرَها كالقَذَرِ الذي يُصيبُ ثوبَك، فهل ترضى أن يُصِيبَ ثوبَك أيُّ وسخٍ ولوكان صغيرًا أو حقيرًا؟ المؤمنُ يخشَى ذنوبَه وإن كانتْ صِغارًا: عن الحارثِ بن سُويْدٍ رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثيْن: أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسِه،قال : (إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَه كأنَّه قاعدٌ تحت جبلٍ يخافُ أن يقَعَ عليه،وإنَّ الفاجرَ يرى ذنوبَه كذبابٍ مرَّ على أنفِه فقالَ به هكذا) . وأخرجه مُسلمٌ عن الحارث بن سُويدٍ رحمه الله قال:حدثنِي عبد الله حديثيْن أحدهما عن رسول الله ﷺ والآخر عن نفسه، فقال:قال رسول الله ﷺ:(الله أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه المؤمنِ) ولننظر إلى أحدِ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وخوفه من أن يكون قد عصى الله تعالى وتعرض لسخطه وعقابه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: لمَّا نزلت هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية 2 من سورةِ الحجرات، جلسَ ثابت بن قيس في بيتِه، وقال: أنا مِن أهلِ النارِ، واحتبسَ عن النبيِّ ﷺ ، فسألَ النبيُّ ﷺ سعدَ بن معاذ، فقال:(يا أبا عمرو! ما شأن ثابت؟ اشتكى؟) آل سعد:إنَّه لَجَاري،وما علمتُ له بشكوَى . قال:فأتاهُ سعد ، فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت: أُنزِلت هذه الآية، ولقد علمْتُم أنِّي من أرفعِكُم صوتًا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهلِ النارِ، فذكر ذلك سعدٌ للنبيِّ ﷺ،فقال: (بل هومن أهلِ الجنةِ)ماأتقاهُم وأورعُهمْ رضي الله عنهم،كانوايخافون ذنوبَهم لقلَّتِهاوكثرةعبادتهم.
إنَّ المؤمنَ يخشَى ذنُوبَه وإن كانتْ صغارًا للأمور الآتية :
الله تعالى يُحاسِبُ عبادَه على الصغيرِ والكبيرِ .
المُؤْمِنُ ينظُرُ إلى عِظَمِ من عصاه وهو الله سبحانه .
قد يظنُّ العبدُ الذنبَ صغيرًا ، لكنه عند الله عظيمٌ .
العاصِي قد عرضَ نفسَه لغضبِ الله وعقابِه .
اجتماعُ المُحقِّرات يُهلِك العبدَ .
قد يموتُ العبدُ وهو يعصِي الله تعالى . والعبرة بالخواتيم ، اللهم أحسنْ خاتمتنا .
الذنوبُ وإن كانت صغيرةً فإنها تًسبِّبُ ظلمةً في القلبِ إذا لم يَعْقُبْها استغفارٌ .
احتقارُ الذنوبِ واستصغارُها سببٌ للوقوعِ في الكبائرِ والتَّهلُكَةِ .
الذنوبً يَدُلُّ بعضُها على بعضٍ .
الذنُوبُ الصغارُ تكبُرُ مع الإصرار ِ .
احتقارُ الذنوبِ يعُوقُ عن التوبةِ .
رُبَّ ذَنْب ٍ يَظُنُّه الإنسانُ صغيرًا ويدخلُ به نارَ جهنَّمَ .
أحسن الشيخُ وأجادَ ، وإلى جمعة ٍ قادمة ٍ إنْ شاء َ الله تعالى ،إنْ كانَ في العُمْرِ بقية ً .
تعليقات
إرسال تعليق