بقايا إنسان 16..بقلم الأديب/حسن أحمد الفلاح
بقايا إنسانٍ ( 16 )
هيلين يا حبيبتي ! لقد خشيْتُ عليك ، هالني ما حصلَ لكِ ، لقد غرقْتُ في بحرٍ من الهواجسِ ، والتّوترِ ، لم أكنْ على ما يرام حتّى هذهِ اللحظةُ ، لن أتخلَّ عنكِ حبيبتي ، سأبقى إلى جانبكِ حرزاً لك ، أعرفُ أنّنا نسيرُ الآنِ في نفقٍ مظلمٍ ، تستولي على كينونتِهِ جبالٌ من الغموضِ ، لن أستسلمَ لكلّ هذا ، حبيبتي سوفَ أترككِ الآنَ تسترحينَ قليلاً ، لن أتأخرَ عليكِ ، هذه روايتي بينَ يديكِ " بقايا إنسانٍ " قد تشعرينَ في سردها وأحداثها بمزيدٍ من المتعةِ .. إنّها مليئةٌ بالأحداثِ والمغامراتِ ، أنتِ تحبّينَ المطالعةَ كثيراً ، أرجو أنْ تقرئيها بهدوءٍ تامّ ، وداعاً حياتي لن أتأخّرَ عليكِ .. ذهبْتُ إلى الطّبيبِ ، طلبَ منّي حديثاً موسّعاً بٱسهابٍ ، وأنْ أذكرَ لهُ أدقّ التّفاصيلِ ، أخبرتُهُ عن كلّ شيءٍ ، لكنّني لم أعرفْ إلى الآن ماذا جرى لأهلها بالضبطِ ، ولم أعرفْ دواعي الخطر الذي كانَ يهدّدُ شقيقها حتّى عزمَ العودةَ إلى البرازيل ، أظنّ أنّها الفتاةُ التي عرفتَها قبل عشر سنينَ ، كلّ المعطياتِ ، والإشاراتِ تدلّ على أنّها هي ذاتُ الفتاةُ التي عرفتُها قديماً ، اسمها هيلين ، لكنّ تجهمُها ، وفتكُ الهمومِ أخذَ شيئاً من نظارتها ، وجمالها الفريد ، لقد أرّقني الغموضُ الذي يحيطُ بها ، دكتور أرجو أنْ تطمئنني عن حالتها ، والمضاعفاتِ التي يمكنُ أنْ تداهمُها بشكلٍ مفاجئ ..هل تريدُ شيئاً منّي دكتور ؟ لا فقط انتبه إليها جيّداً .. إنّها تمرُّ بوضعٍ استثنائيّ ، ربّما يكونُ مريباً بعضَ الشّيء … أجلْ سأرعاها بشكلٍ جيّدٍ إلى أبعدِ الحدودِ ، سوفَ أجعلُها تتخلّصُ من محنتها ، لن أدَعها تتهاوى ، بل وتنهارُ ، وأنا أنظرُ إليها ، سأفعلُ الكثيرَ من أجل سعادتها ، أنا لن أتأخرَ أبداً في مساعدَتِها… دخلْتُ إلى غرفتِها ، وجدتها مازالتْ تقرأ روايتي بشغفٍ ..
حبيبتي ها أنا رجعْتُ أحملُ إليك بعضاً من الحلوةِ التي تحبينها كثيراً ، أحم ! أحم نحنُ هنا ، أراكِ منهمكةً في قراءةِ الرّوايةِ ، أظنُّ أنّها جلبَتْ لكِ متعةً نادرةً ، أعرفُ ذلكَ ، كم هي جميلةٌ حبكاتها ؟ .. إنّها مذهلةٌ جدّاً ! أرى أنّ هذا اليومَ نعانقُ فيهِ فرحتَنا بولعٍ تامّ ، كأنّنا نعيشُ أعيادَ الميلادِ ، الكلّ تنعشُهُ إلهاماتٌ كثيرةٌ تتعاظمُ في سيروراتِنا كموجاتٍ تترى… آهٍ يا أنا كم أحبُّ هذهِ الفتاةَ.. إنّني أشعرُ بإلحاحٍ يشدّني إلى إغراءاتٍ كثيرةٍ تأخذ بي إلى ذاكرةٍ عميقةٍ تستيقظُ من جديدٍ تومض ذبذباتٍ تذكّرني بأوّلِ لقاءٍ مترفٍ ، تدافَعَتْ فيهِ عواطِفُنا ، أغلقْتُ عينيّ عندَما قرّرَتِ السّفرَ إلى البرازيل في المرّةِ الأولى ، فتّحْتُ عينيّ على بحرٍ عميقٍ من الغموضِ الذي أوجعني كثيراً ، لم أتحرّرْ منهُ حتّى الآنَ ، لقد استمرّ هذا الأمرُ الذي اتعبني كثيراً قرابةَ خمسةَ عشرةَ عاماً ، بل واستمرَ خلالَ فترةِ الحربِّ المجنونةِ ، لقد صُعِقْتُ يوماً أوّلِ الأحداثِ المرعبةِ مشهدٌ لم استطعْ التّخلّصَ من مجرياتِهِ ، كانَ مشهداً مريعاً ، جعلني أتحاشى هؤلاء باستمرارٍ ، لقد مثّلوا بجثمانِ صديقي الذي كانَتْ تربطني بهِ صداقَةٌ عميقةٌ ، لقد لاقى حتفَهُ بطريقةٍ وحشيّةٍ جدّاً ، ربّما سمعَتْ هيلين أطرافاً من الحديثِ عن مسلسلاتِ الرّعبِ الواقعيّةِ التي شهدَتْها المدينةُ من أقصاها إلى أقصاها… قطعُ رؤوسٍ ، حرقُ جثثٍ ، تقطيعٌ لأطرافٍ ، فقءُ عيونٍ ، اغتصابٌ ، لم يسلمْ شيءٌ في المدينةِ ، كلّ شيءٍ في ذاكرتِنا مرعبٌ جدّاً ، أظنُّ أنّ هناكِ حالةً من انتعاشِ الذاتِ ، وها أنا أغوصُ في شعورٍ عميقٍ ملئٍ بالمغامراتِ ، يا أنا لقد أتعبني هذا الملاذُ الذي يتقهقرُ باستمرارٍ أمامَ منعطفاتٍ آنيّةٍ تفتكُ أحياناً بهدوئنا...
وإلى لقاءٍ آخرٍ مع
حسن أحمد الفلاح
تعليقات
إرسال تعليق