فات الأوان.. بقلم الأديبة/د. فاتن جبور

 فات الأوان..

بقلمي : فاتن. 


بخطى وجلة ، وغير مستعجلة ،

دخلت ذلك الأرشيف الذي ركنته على هامش سنين العمر ، جالت بنظرات مفرغة من أي معنى،

كمحارب عائد من معركة خاسرة،

زج به فيها دون أن يعرف الأسباب..

على رفوف متهالكة.. 

 لأرشيف مشاعرها ..

المغمور بغبار سنوات عجاف..

لم يروها غيث قلب حنون ،

و لم يهز أركانها هزيم لقاء موعود ؛

أو يشعل حرائق الشوق فيها وميض تعكسه عواطف إنسان .

هي هناك و فقط ..

ظلت آلة لدوران زمان يتعاقب ليله ونهاره منذ غابر العهود ، حين وهبت شبابها لإخوتها ولعبت دور الأم المفقودة بلا شهادة وفاة أو دليل حياة..

في زاوية منسية.. لمحت قلبها . 

من زمان لم تعد تذكره، وضعته بيد مرتعشة..

وعيون كحلها رماد الحرمان،

و سقاها منه كؤوسا زوج ألبسها جلباب أمه مرغمة ما شاء الله لها من عمره الذي انقضى بعد طول عذاب ومعاناة مع الأمراض. 

هناك جعلته يقبع و أوصته بالصبر والإنتظار.

لكنها نسيته حتى وجدته في شرنقة من نسج السنين وسحيق الحوادث الجسام..

وجدته يحتسي من الأسى فنجانا ،

وينفث مع كل زفرة غبار إنتظار أزكم أنوف الأركان والجدران ، و يتوارى خلف جحافل ذكريات تمر مر السحاب ، يقلب أوراقا صامتة أخرسها هول المكان.،

ينتظر حلول ذلك الفصل الخامس من فصول دورة حياة تمضي متثاقلة الخطى..

لم يجد في تلافيف فصولها الأربعة مكانا ولا زمانا يعلنه موعدا للقاء مع الحياة ..

تاهت منه عقارب الزمان،

و أضاعت الإنسجام.. وفقدت لذة الدوران..

ولم يعد لدقاتها صوت يسمع؛

غرق الصدى في مغارات النسيان..

وامحت أسماء الشهور و الأيام. 

وكيف لا، وهي التي توارت عن الحياة خلف ظلال غير ظليلة سدت عليها منافذ الشمس،

وملأت عينيها بالسواد فلم تعد تذكر الألوان. 

وأصمت أذنيها عن سماع الألحان. 

هاهي تعود إليه بعدما زالت الظلال، وانقشع الغمام،

وانتعشت ذاكرتها بعد طول نسيان .

عادت إليه، لا لتخرجه إلى الحياة كما وعدته ذات زمان - فقد فات الأوان ؛ و فقد ذاكرته من فرط الوحدة ، وأفرغ من مشاعره كقلب إنسان -

بل عادت لتأخذه في حضنها وتطلب منه أن يسامحها،

ثم إلى جانبه ستنام نومتها السرمدية

على رفوف أرشيف مشاعرها ؛ هناك حيث سيحتضنهما النسيان. 


د.فاتن جبور 

سفير السلام العالمي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عسعسة العيش....بقلم الشاعر راتب كوبايا

قلبي ينبض بحبك...بقلم الشاعر أبوبكر المحجوب

لست وحدي ...بقلم الشاعر رضا الشايب

منها نستفيد...بقلم الشاعر علي مسلم عجمي

محبة ....بقلم الشاعر أحمد قراب

الخمار الأسود.. بقلم الشاعر/منصور عمر اللوح