من يقرأ السحاب...بقلم الكاتب والشاعر علي غالب الترهوني


 من يقرأ السحاب

______________


وقف الناس مذهولين .إذ ان السحاب بدا يقترب اكثر هذه المرة من الارض .كأني به قد تحول إلى لوحة سريالية .تموجة الغمائم .سوداء بيضاء وأحيانا لا لون لها .لولا رقعة السماء الزرقاء التى تختلس النظر إلينا من حين إلى أخر.ليس هذا شعوزي فقط لكنه شعور كل الحاضرين .ثمة وجه إمرأة تستغيث .ماذا كانت تريد .؟ حقا أنا لا أعلم.قلت في نفسي طالما الناس بدأت تبحث عن الوجوه الغابرة في السماء .صرت مثلهم أبحث عن من أريد.

ثمة وجوه كثيرة أفتقدها .فكرة في رفيقي مصطفى .مات قبل أعوام كثيرة .لم يترك لنا شيء .بعضا من الذكريات حين كنا تقطع المسافات مشيا على الاقدام نحو مملكة تبعد عنا اكثر من خمسين ميلا .في منتصف الطريق وقفنا على عرس مهيب .شيدت الخيام على إمتداد الوادي أين كانت ترعى الإبل في المراح ..من خلف الخيام إرتدت جنيات سافرات الحرير الاخضر كشف عن مفاتن لا يشبههن سوى فتيات الخضراء ...


الحاصل ..

كان مصطفى يقرض الشعر ويحفظه أحيانا .أحب فتاة من ترهونة كتب لها قصيدة قبل ان يموت .أذكر منها القليل حين قال ..

لسوف تحملني الملائكة ..

على أجنحة من نور ..

وأقبر حينها بين القبور ..

لن تسمعي صوتي...

لن تري وجهي ..

هل تملكين نفس الشعور ..

هذه الدنيا هالكة ..

توارى عني بعد المغيب .خلف خيمة بدوية .نصبت أوتادها على شطيب عامر . أحتوت اجمل نساء الصحراء .وعندما لحقت به لم أجده .لربما سقط الان بين الحضور لان روحه بيضاء وعيون البنات على ذات الغيمة .


الحاصل .

كانت المملكة بعيدة .وانا لم تعد تحملني قدماي .رحل مصطفى .هل رحلت سناء ايضا .يوما ما كنت اطارد ظلها في القرية المهجورة .حيث تأتي مع الشروق وانا أسحب ظلي مجتازا به مزارع الزيتون .عند المفرق الاخير نلتقي مع اولاد المدائن الذين يعشقون خبز الفينو وعلب السردين .كانت تقدمه لنا الحكومة مجانا بإسم جلالة الملك .صفقنا له في غيابه .سبحنا بإسمه كثيرا في غيابه شتمنا العساكر الذين يشهرون في وجوهنا بنادق لا ترحم.احدهم ازعج رفيقتي سناء ..امي تقول ..لا عليك ( اللعنة على السلطان في غيابه ) .لا يعنينا السلطان في شيء .يعنينا ما نحن قادمين عليه والموت في انتظارنا .ندخل جميعنا الباحة مسلحين بالحقائب ومكبرات الصوت تصدح بالنشيد الوطني .بلادي بلادي لك حبي وفوأدي ..كنا مجرد ببغاوات نردد ولا نفهم حتى رحل الملك ورحل بعضنا .فهل جاء بهم السحاب الان ؟ 


الحاصل ..

مازال الناس يقرأون السحاب .الوجوه الغائبة أفصحت عن نفسها .لم يخطر على بالي أن ارى وجه جدي .كان مؤذن لمسجد الخضراء .في صباه عشق النساء وتزوج من سيدة عليها أثر التصوف.يومها تقول أمي نقلا  عنها كنا نقيم في القصر العتيق أين ترامت احباس سيدي معمر. على ضفة النهر كانت مراتعنا .لعبنا بالوحل وكنا نتمنى ان نلمس السحاب .

حين نظرت في الغمام رأيت وجهه ابيضا .فرحت قلت ربما غفر الله له حين مر من باب الريان...


الحاصل .

بدأ الغمام يتلاشى .مرت مسحة باردة حجبت اغلب الوجوه.وجدتني أصعد إلى الجبل .حقيقة كنت أبحث عن وجه سناء .علمتني الحب دون ان تعلم أنني أحبها.طيفها كما وصفته لي إحدى رفيقاتها نصفه جنة ونصفه نار ..


________________

على غالب الترهوني 

بقلمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وقعت أسير هواك...بقلم الشاعر أبو بكر المحجوب

سنين عمري ....بقلم الشاعر عبد المنعم مرعي

عسعسة العيش....بقلم الشاعر راتب كوبايا

قلبي ينبض بحبك...بقلم الشاعر أبوبكر المحجوب

الخمار الأسود.. بقلم الشاعر/منصور عمر اللوح

اِغضب...بقلم الشاعر عبد المنعم مرعي

لست وحدي ...بقلم الشاعر رضا الشايب

منها نستفيد...بقلم الشاعر علي مسلم عجمي

تبرية من شيم العفاف تنجلي....بقلم الشاعر معمر محمد بدوي

مهرك غني....بقلم الشاعر بدر الدين ود الفاشر